لا أنكر أننى أتابع باستمتاع الدراما التركية التى غزت بنعومة وبلا منافس كل البيوت العربية مقدمة للمشاهد كل ما هو جميل وممتع للعين والقلب. ولا شك أن تركيا – بعيدا عن الحكام والساسة - بلد ذو طبيعة جميلة، يحرص صناع الدراما على اظهارها أجمل وأجمل. وقد لاحظت أن المشهد الأهم والمعتاد فى الدراما التركية يتم تصويره حول مائدة الطعام!! لا فارق فى أن تخص أغنياء أو فقراء، فدائما هى القاسم المشترك لأهم المشاهد، سواء انتهى المشهد باتفاق أو اختلاف!! فكرت مليا، ووجدت أن مائدة الطعام تجمع حولها الأسرة والعائلة والأصحاب والزملاء والشركاء.. كمقر اجتماع غير رسمى. وتذكرت أحوال البيت المصرى حينما كان يملك طقوسا حياتية يومية تكاد تكون مقدسة، فكانت الأسرة تستيقظ مبكرا، تتناول افطارا عاجلا على صوت تلك الاصوات العذبة المتفائلة المنبعثة من جهاز (الراديو) -المتربع على عرشه وسط البيت- قبل أن يولد البرنامج التليفزيونى(صباح الخير يا مصر)ويحتل مكانته، ثم ينطلق الجميع للحاق بمواعيد المدرسة والعمل؛ لكن هذه العجلة تختفى يوم الجمعة لتجتمع الأسرة يوم الإجازة بكل أريحية، وتتصاعد أبخرة الطعمية الساخنة (الفلافل الاسكندرانى) بجوار طبق الفول الذى لا غنى عنه مع رائحة الخبز الطازج، والأحاديث الأسرية الحميمية، والدعابات والضحكات التى تعلو إلى عنان السماء. ويوميا كان موعد وجبة الغداء محددا بكل دقة ليتزامن مع عودة رب الأسرة من عمله، ويلتزم الجميع به، فتحتضن مائدة الطعام كل أفراد الأسرة وتجمعهم فى تواصل إنساني يؤدى تلقائيا لذوبان أى خلاف، فيحكى كل منهم عن يومه، وينصت الوالدان للأبناء بانتباه، ليقدما التنبيه والنصح والارشاد والتوجيه واللوم اذا اقتضى الأمر، ولا يخلو الأمر من طلبات ورغبات تعرض على الأب بمباركة الأم ومساندتها ودعمها المستتر أو المعلن. باختصار، فى زمن مضى كانت مائدة الطعام مركزا للقاء الأسرى ومحطة لالتقاط الأنفاس بعيدا عن منغصات العالم الخارجى، فى حقبة لم تشهد غرق الأسرة فى دوامة الحياة السريعة وطوفان التكنولوجيا الحديثة التى جعلت كل فرد يعيش فى جزيرة منعزلة رغم التقارب المكانى.