جاء قرار أمريكا بالانسحاب من سوريا فى إطار توجهها نحو تقليص وجودها العسكرى فى المنطقة نظرًا للإرهاق الذى تشعر به فى أعقاب سنوات من الحروب كانت تكلفتها باهظة، وخشيتها من الغرق فى حرب جديدة تكون تكلفتها أكبر، ثم لرغبتها اليوم فى تركيز الاهتمام على الشأن الداخلى. بالإضافة إلى تحويل توجهها من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وهو ما حظى برغبة الجمهوريين، والديمقراطيين معًا. بيد أن قرار أمريكا بالانسحاب- الذى لم يتم بعد، والذى استثنت منه 200 جندي- انعكس سلبًا على إسرائيل حيث انتابها قلق عارم لكون هذا الانسحاب سيصب بالإيجاب فى صالح حلف المقاومة إذ سيزداد قوة، وتتسع دائرته لا سيما فى ظل تنامى الدور الروسى الأمر الذى سيؤثر بالسلب على قدرات الردع الإستراتيجية لإسرائيل التى ظلت، وعلى مدى عقود تعول على الهيمنة الأمريكية، وثقل حضورها القوى فى الشرق الأوسط. إذ إن أمريكا هى الداعمة لمشروع إسرائيل العدوانى التوسعى التصفوى للقضية الفلسطينية. والأدلة كثيرة، فمع إدارة ترامب أمكن انتزاع القدس لتكون عاصمة موحدة لإسرائيل، وتم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ترسيخًا لذلك. ثم ما لبثت إدارة ترامب أن ألحقت قنصليتها بالسفارة الأمريكية فى القدس. واليوم سيتعين على إسرائيل فيما إذا تم الانسحاب الأمريكى من سوريا البحث عن مخرج من هذا المأزق الاستراتيجى الذى يزداد مع افتقادها عندئذ الوجود الأمريكى الذى يحميها من حلف المقاومة ممثلًا فى الوجود الإيرانى، وحزب الله على الأراضى السورية. وبالتالى بات يسيطر عليها اليوم الخشية من الهزيمة فى ظل عجز قوتها، وتآكل قدرتها الردعية. لا سيما بعد أن قامت روسيا بإمداد الجيش العربى السورى بصواريخها المتطورة «إس 300»، والتى تم تدريب الجنود السوريين عليها، ولم يعد هناك حائل يحول دون استخدامها ضد أى غارات جوية إسرائيلية تستهدف الأراضى السورية، فالمنظومة تمثل عامل ردع من شأنه لجم قدرة الطائرات الإسرائيلية وحتى الأمريكية والتركية على القيام بأى عمليات فى سوريا حيث ستكون موضع رصد من الدولة السورية، وستتصدى لها عندئذ الدفاعات الجوية لإسقاطها. ولا شك أن الحديث عن منظومة إس 300 يستدعى هنا الموقف الروسى حيث إن روسيا تقف مع الدولة السورية فى مهمة الدفاع عن سيادتها، واستقلالها وهو ما سبق لروسيا أن أكدته مرارًا، ولا يمكن لأحد أن يشكك فيه. غير أن مواقف تبنتها روسيا فى تعاملها مع إسرائيل أثارت الشكوك لدى البعض من أن يكون بوتين حريصًا على التعامل مع نيتانياهو إلى الحد الذى يجيز له مرونة التحرك لتنفيذ بعض الهجمات على الأراضى السورية لاستهداف مواقع إيرانية، وأن روسيا حريصة على أن تستمر علاقاتها قائمة مع الكيان الصهيونى من أجل أن يساعدها ذلك على أن تصبح راعية لآية مفاوضات مستقبلًا لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. وحيث إن روسيا لا تريد أن تكون طرفًا فى أى صراع على الأرض السورية فلقد أقدمت على مد الجيش السورى بمنظومة الصواريخ المتطورة حتى يكون بمقدوره مجابهة آية اعتداءات تستهدفه سواء أكانت إسرائيلية، أو أمريكية، أو حتى تركية. وهو أمر من شأنه أن يسهم فى تعزيز الدور الروسى فى المنطقة. تزداد مخاوف إسرائيل مع إيقاع تراجع النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط فى ظل تنامى النفوذ الروسى الذى يتمتع بروابط قوية مع سوريا، وبعلاقات استراتيجية مع إيران عدو إسرائيل الرئيسى، والذى تبذل جهدًا مضاعفًا من أجل ألا يكون له وجود على الأراضى السورية. ولعل هذا ما يفسر محاولات نيتانياهو المستمرة للتودد إلى الرئيس الروسى بوتين كسبًا لرضاه وإقناعه بممارسة الضغط على الرئيس بشار لسحب الوحدات العسكرية الإيرانية من سوريا، وهو أمر يتعذر حتى الآن تحقيقه.