أكد مدير المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية اللواء محمد المصري، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غير المحسوب، والقاضي بنقل سفارة بلاده للقدس والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، يمثل عملية انتحار سياسي وعزل عن رعاية العملية التفاوضية. وقال المصري، في تصريح اليوم الخميس، إن القرار أفقد الولاياتالمتحدة مكانتها في الشرق الأوسط، كما أنه حول ترامب إلى عدو للشعب الفلسطيني والمنطقة العربية والإسلامية، وعرّض مصالح بلاده وسياساتها وحتى مواطنيها للخطر والتشويش والتعطيل، لافتاً إلى أنه يفكك منظومة حلفائه العرب المعتدلين. وأضاف "إن هذا الحلف سيتفكك نتيجة تقوي الحلف المقابل واستمداد الشرعية من هذا الموقف، إن هذا القرار عملياً يعني إشعال المنطقة، وإعادة الصراع إلى مربعه الأول؛ لأنه ببساطة ينسف أسس عملية التسوية التي وضع ترامب نهاية لها، إذ على ماذا سيفاوض الفلسطينيون؟". وأشار إلى أن أي قائد فلسطيني لن يستطيع أن يساوم أو يوافق على ما يُطرح أمريكياً، وأنه على أمريكا وإسرائيل أن تتوقفا عن وهم أن العرب والفلسطينيين غير قادرين على الرد، فهذا القرار يتجاوز الخطوط الحمراء كلها، وهذا يعني أن حلفاً فلسطينياً عربياً إسلامياً سيتشكل في عالم الغيب للرد غير المتوقع، إما غداً أو بعد غدٍ. وشدد على أن الموقف الأمريكي كان نتيجة للضعف العربي، ولكنه سيكون أيضاً واقعاً لتغيير الواقع من أساسه، هذا القرار المجنون ليس نهاية العالم، فلا يمكن لأمريكا أن تحدد عاصمة إسرائيل أو عاصمة فلسطين. وتابع المصري "الشعب الفلسطيني أحبط الكثير من الخطط والمؤامرات، وهذه مؤامرة أخرى سنتجاوزها أيضاً، بحكمة القيادة، والتي تمتلك كثيراً من الأوراق، ولديها خططها، وسيُفاجأ ترامب وإسرائيل، بأن الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، قادرون على قول كلمتهم، وهي الرفض التام". ونوه إلى أن القيادة الفلسطينية لن تقبل بعد ذلك التعامل مع هذه الإدارة التي وضعت نفسها في المربع الإسرائيلي كلياً، مضيفا أن الإدارة الأمريكية حوّلت هذه المسألة أيضاً إلى عصا غليظة تهدد بها الفلسطينيين والعرب، وتبتز المواقف منهم، والجديد الآن، هو أن ترامب يستغل مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس للخروج من مأزقه، وخاصة فيما يتعلق بعلاقة مشبوهة بين إدارة ترامب والمخابرات الروسية في مسألة الانتخابات الأمريكية الأخيرة. واستطرد "شهدنا بعد إعلان خبر اتصال ترامب بالرئيس عباس وبقية قيادات المنطقة، أن هناك ردود فعل عربية ودولية حذرت من خطورة هذا التصرف الأرعن، وهذا الأمر يُتابع من قِبل القيادة الفلسطينية على صعيد التحركات السياسية والدبلوماسية، أما على المستوى الشعبي الميداني الذي يجب أن يتميز بالتدرجية والاستمرارية والانضباطية، ضمن شعارات متدرجة قابلة للتحقق ومتفق عليها وطنياً، يمكن تغييرها حسب النجاحات أو الظروف". وقال "هذا يتطلب تنسيقاً شعبياً محكماً لا تجاوز فيه أو تنافس أو اصطياد في الماء العكر، إن هذا الحراك هو الحراك الأكثر أهمية؛ لأنه يعطي حاضنة شعبية لقرارات القيادة وحماية لها وتأكيداً لشرعيتها وتمثيلها، وهذا المستوى ضروري لإرسال رسالة شعبية واسعة وقوية لكل الأطراف: إن الفلسطينيين يستطيعون – بما يمتلكون من قدرة على الإبداع – أن يفرضوا شروطهم ولو بالحد الأدنى". وأضاف "لابد من الاستفادة من هذه التجربة؛ لأننا رأينا تراجعات وانكشاف ظهر ومزايدات، الأمر الذي جعل من هذه الهبّة ذات نتائج قليلة، وثم الاختلاف عليها، وثم التعامل معها بطرق مختلفة، إلى درجة أنها تخامدت وانتهت إلى حدٍ بعيد، الآن، ما أقصده هو أن يكون الرد على الخطوة الأمريكية إذا حصلت، بطريقة مختلفة، أعني، أن يكون الحراك الشعبي منسقاً من جهتين: الأعلى والأسفل، حتى لا تكون هناك قراءات مختلفة أو شعارات مختلفة أو انكشاف لظهر أي طرف مشارك". وكشف المصري أنه يجب على القيادة الفلسطينية تغيير الوسائل لا تغيير الأهداف؛ حيث إن الهدف هو الدولة، فإن من الممكن تغيير أدواتها، ومنها: السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وتابع "يمكننا أن نعيد الأمور إلى مربعاتها الأولى، أي أن نتقدم إلى العالم، بما فيه إسرائيل، باعتبارنا دولة تحت الاحتلال لا سلطة تحت الاحتلال، مع ما يتطلب ذلك من تغيير في العلاقة مع المحتل من جهة، ومع المجتمع الدولي من جهة أخرى، ومع الإقليم العربي من جهة ثالثة، أي بدل أن نفكر في حل أو تفكيك ما تم إنجازه على يد السلطة الوطنية، فإننا نقوم بالصعود إلى أعلى درجة أخرى، أي نصعد إلى كوننا دولة تحت الاحتلال بما يضمن لنا هذا الوضع القانوني من امتيازات سياسية ونضالية وحقوقية".