فى العاشرة مساء تدهورت حالة الشاب عبد الرحمن الذى لم يتعد الثلاثين من عمرة فقد تعرض لنزيف مستمر بسبب دوالى المرىء. كان الأمر خطيرا ويحتاج إلى نقل دم سريع حتى يعوض الكميات التى نزفها الشاب أثناء وجوده بالمستشفى بشبين الكوم. اتصالات من هنا وهناك من الأهل والأصدقاء لتوفير 6 أكياس دم يحتاجها على مدار يومين ويحتاج غيرها بعد انتهاء مفعولها. الأب والام فى حيرة فالوقت تجاوز الثانية عشرة مساء وبنك الدم بشبين الكوم لا يوجد فيه كيس واحد والمستشفى تحتاج متبرعين. ووصول الأقارب والأصدقاء فى هذا الوقت المتأخر سيكون أمرًا شديد الصعوبة. جولات وتليفونات ولف ودوران على المستشفيات الخاصة حتى استطاع خال الشاب الحصول على كيسى دم من أحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة ليسابق الزمن ويصل فى الرابعة صباحًا للمستشفى لإنقاذ الشاب حتى يأتى المتبرعون فى الصباح ويقومون بالتبرع وتقوم المستشفى بتوفير الدم المطلوب. نفس الحالة وبشكل أصعب تعرض لها أحد مرضى الأورام كما تقول رحاب عطافى حيث يعانى الأورام ولا يمكن الحصول على الجرعة إلا إذا تم توفير 4 أكياس دم وتتكرر المحاولات بصعوبة هذه المرة لأن فصيلة الدم نادرة )B-( والمريض فى البحيرة وكل أقاربه فى القاهرةوالإسكندرية. وخلال يوم كامل كانت محاولات البحث فى كل المستشفيات الخاصة والحكومية فى البحيرةوالقاهرة وبنوك الدم بلا جدوى حتى تمكن أهله من احضار كيسين من الاسكندرية مقابل ذهاب 12 متبرعًا للمستشفى للحصول على تبرع بالدم منهم الحالات كثيرة ويمكنك متابعتها بجولة واحدة فى المستشفيات أو على صفحات بنوك الدم التى تجد الاستغاثات عليها بشكل مستمر بحثًا عن كيس دم ومنهم الطفلة ملك أحمد سعد 10 سنوات والتى يتم تجهيزها لعملية زرع كبد وتحتاج 40 كيس دم فصيلة B سالب وهى نادرة وصعبة جدًا. أما فاروق حامد سيد أحمد فهو حالة تم حجزها مستشفى جمال عبد الناصر وفصيلة دمه a سالب. ومن أصعب الحالات بنت فقدت عينها وتعرضت لكسور فى عظام الوجه فى حادث على الطريق الدولى الساحلى وتحتاج دم فصيلة a أما الطفلة ايمان فقد تأجلت عملية القلب المفتوح التى كانت مقررة لها بالقصر العينى لأنها محتاجة تبرعًا بالدم فصيلة نادرة جدًا A سالب. وهو نفس ما تعرضت له دنيا أحمد التى كانت فى حالة ولادة فجأة وأنيميا حادة بمستشفى طلخا وتحتاج 4 أكياس فصيلة دم +B. إحصائيات الأرقام حول حاجتنا من الدم تتفاوت فلا توجد إحصاءات رسمية حول الدم فى مصر فهناك مؤشر يفيد بأن المصريين يحتاجون إلى 3 ملايين كيس دم يتم توفير مليون كيس منهم فقط. فكل ثلاث ثوان هناك شخص يحتاج إلى نقل الدم وواحد من كل عشرة مرضى يدخلون المستشفى فى حاجة إلى نقل الدم. لكن معادلات منظمة الصحة العالمية أقرت بأنها نسبة من 1: 3% من تعداد السكان، أى أن مصر عدد سكانها 90 مليونا، بحاجة إلى مليون و800 ألف وحدة دم سنويًا، وخدمات نقل الدم القومية تجمع منهم 450 ألف سنويًا، فيما يصل النقص فى أكياس الدم إلى حوالى 500 ألف وحدة تقريبًا، وكلما زاد عدد السكان زاد النقص. الذى يعود إلى عدم ايمان المصريين بثقافة نقل الدم بشكل مستمر والمعاناة التى يجدها القائمون على حملات التبرع فى الشوارع والميادين وهم يحاولون بشتى الطرق جذب المتبرع لكى يدخل ويمنحهم كيس دم واحدًا. ليتكرر المشهد بين متطوع يحاول الهرب من جذب مشرف الحملة لكى يدخل إلى عربة التبرع المرابطة داخل محطات المترو وداخل الميادين بلا جدوى. فى حين يختلف الوضع إذا توجه المتبرع بنفسه للبنك للتبرع بالدم سواء بنفسه أو مع حالة مرضية تخصة حيث يقوم بملء ورقة استبيان خاصة بحالته الصحية ونسبة الهيموجلوبين وهل هو مصاب بالانيميا أو بالضغط ليتم أخذ عينة منه ثم يتم بعدها السماح له بالتبرع. لكن تطوير عمليات نقل الدم لابد أن يتم بقانون وللأسف تخضع عمليات نقل الدم فى مصر لقانون صدر قبل أكثر من نصف قرن، ففى 1960، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر، قرارًا جمهوريًا بقانون رقم 1978، خاص بتنظيم عمليات جمع وتخزين وتوزيع الدم ومركباته، وبإنشاء مجلس مراقبة عمليات الدم، إلا أنه خوّل وزير الصحة بإصدار القرارات اللازمة لإجراءات عمليات تخزين وتوزيع الدم، وتحديد أثمانه، وعلى مدار 55 عامًا لم يصدر قانون آخر ينظم ويوحد سياسة نقل الدم، وبنوك الدم فى مصر. فقط فى عام 1991 أصدر د. إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق قرارًا بمنع دفع نقود مقابل التبرع بالدم لمنع مدمنى المخدرات من التبرع، كما صدر القرار الوزارى رقم )25 لسنة 1999( الذى ينص على إلغاء احتراف التبرع بالدم نظير مقابل مادى فى جميع بنوك الدم الحكومية والخاصة. مقترحات الدم ناقص والمرضى فى حاجة شديدة له فكيف يتم حل المشكلة؟ سؤال لم نجد له إجابة حتى الآن لدى المسئولين عن الصحة فى مصر رغم أن هناك مقترحات عديدة لحل المشكلة منها مقترح للمهندس بكر محمد عبد القادر فتحى قدمه للمسئولين بالصحة وبرئاسة الجمهورية وتعتمد فكرته على الحصول على كيس دم واحد من كل مجند شاب تم توقيع الكشف الطبى عليه وثبتت سلامته ولياقته الطبية سواء تم تجنيده وإلحاقه بالخدمة أم أعفى منها لظروف قانونية وذلك على مستوى جميع مناطق تجنيد مصر كلها وكذلك الكليات والمعاهد العسكرية والشرطة مما سيوفر لنا كميات ضخمة من الدماء لجميع المستشفيات عسكرية ومدنية ومن جميع الفصائل مجانا. بل يمكن تصدير الكميات الزائدة واستخدام هذه الأموال فى إنشاء صندوق لعلاج الحالات الإنسانية والفقراء أو تحديث المعدات والأجهزة فى مستشفيات القوات المسلحة والقطاع المدنى مقترح اخر قدمه شباب باحثون بالجامعة الأمريكية ضمن مشروع للتنمية فى مجال الصحة يحمل اسم «كان يا ما كان»، حيث أكدوا أن الحل الرئيسى لتلك المشكلة يأتى بريط كافة بنوك الدم ببعضها البعض إلكترونيًا مما يسهل التواصل فيما بينها لسد الاحتياجات خاصة فى الفصائل النادرة مثل )o( وB خاصة مع وجود حوالى 24 بنك دم على مستوى الجمهورية بخلاف بنوك الدم بالمستشفيات والتى تقدر بنحو 200 مركز، ووجود مسافة كبيرة بين بنوك الدم التجميعية وبعضها وبين المستشفيات مع قصر عمر مكونات الدم، ما يؤدى إلى فسادها بسرعة. الفريق البحثى ضرب بعض الأمثلة التى تهدد حياة المريض إذا لم يحصل على الدم فى الوقت المناسب. فعلى سبيل المثال توجد بمحافظة الشرقية مستشفى على بعد ساعتين ونصف من بنك الدم، وهو ما يعنى انتظار المريض أكثر من 5 ساعات حتى يحصل على الدم، كما تشهد مستشفى جراحات اليوم الواحد بوادى النطرون عددًا من حالات الوفاة لمصابى الحوادث على طريق مصر إسكندرية الصحراوى بسبب عدم وجود أكياس دم بالمستشفى لإسعافهم، حيث يقع بنك الدم الذى يحصل منه المستشفى على إمداداته من أكياس الدم فى منتصف طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوى، حيث يبعد المستشفى عن بنك الدم ساعة ونصف مما يعنى انتظار المريض 3 ساعات، ويشكل عبئًا كبيرًا على طورائ المستشفى الفريق البحثى اقترح مشروعًا تجريبيًا بمنطقة امبابة حيث تضم 6 مستشفيات فقط 3 منها خاصة و3 عامة وبنكان للدم ويمكن ربطهما بشكل مباشر لتوفير قاعدة بيانات بالدم الوجود وتسهيل الحصول عليه فى الوقت المناسب.