يثور جدل كبير على الساحة المصرية هذه الأيام حول اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وهو جدل، تستخدم فيه كافة الأسلحة الفتاكة، من التمويل إلى التخوين، إلى التآمر. ومن الواضح أن التاريخ يعيد نفسه، انها نفس الأصوات التى راحت تشيع الفوضى عقب احداث 25 يناير، وتنشر الإرهاب المعنوى، وتحاكم الناس على نواياها، وتنشر القوائم السوداء والبيضاء لأعداء الثورة وفلول النظام.
لم يكن هؤلاء مستعدين لسماع وجهة نظر الآخر، لقد غيبوا عقولهم، وراحوا يأخذون الناس بالشبهات، فإذا قلت حذار من الانقسام المجتمعى، فأنت معاد للثورة، وإذا حذرت من الفوضى وخطورة إهانة الجيش قالوا إنك من ذيول النظام السابق، وإذا اعترضت على شعار «يسقط حكم العسكر» قالوا عنك إنك عميل لمن يريدون عسكرة البلاد وتغييب الديمقراطية، وإذا قلت لا فرق بين قيادة الجيش وضباطه وجنوده اتهموك بانك تنافقهم.
إذا حذرت من المظاهرات الفئوية، وطالبت بالانتظار قليلاً لحين عودة البلاد إلى مسارها الصحيح اتهموك بأنك تهدر حقوق العاملين، وإذا قلت إن البلاد معرضة للمخاطر فأنت تريد العودة بالبلاد إلى سابق عهدها.
اتهامات عديدة ومتعددة، إرهاب متعمد، وتشويه استهدف اغتيال الشخصية الوطنية، وتجريف المجتمع من قياداته الطبيعية، فالكل فاسدون، ورجال الدولة هم مجرد تابعين يجب التخلص منهم، وهكذا اثمرت سنوات ما بعد 25 يناير خرابًا اقتصاديًا وانهيارًا اخلاقيًا وقيميًا، واحباطًا معنويًا للمخلصين، وحربًا تشويهية ضد مؤسسات الدولة وإحداث انهيارات بداخلها، انهارت القيم، ولم يعد هناك قيمة للكبير أمام الصغير، حتى أن بعضًا من هؤلاء «الثوار الجدد» خرجوا على شاشات الفضائيات ليطالبوا بعزل وتقاعد كل من بلغ الخمسين عامًا، باعتبارهم من الفشلة الذين كانوا مجرد خدم وعبيد للأنظمة الفاسدة.
ورغم أن الأحداث كشفت هذه الوجوه، والأهداف الخفية من وراء حملاتها المسمومة، حتى أن الكثيرين ممن كانوا يعادون نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أصبحوا الآن يلهثون مهللين ومرحبين بنجليه جمال وعلاء فى أى مكان يهرعان إليه. كما أن البعض منهم عبر عن أن أقصى أمنية له أن يذهب إلى «أبوعلاء» ويطلب منه الصفح، رغم كل ذلك عادت الصورة ذاتها تطل بوجهها بمناسبة الحديث عن موافقة مصر على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
وبنفس السيناريو ونفس الآليات والوجوه، عاد البعض ليمارس ذات الدور، انه نفس السيناريو، والرفض المطلق للفهم، الاثارة ومحاولات التحريض، واتهامات بالخيانة، واستخدام ممنهج لمواقع التواصل الاجتماعى لتشويه كل من يقف موقفًا مخالفًا مستندًا إلى حقائق التاريخ وواقع الجغرافيا وقواعد القانون الدولى.
وبالرغم من أن الدولة المصرية بقيادتها وجيشها وحكومتها وأجهزة استخباراتها فحصت ودققت ولم تجد أمامها من خيار سوى تنفيذ ما اتفق عليه الرئيس الأسبق حسنى مبارك واقراره بحق السعودية فى الجزيرتين والتوقيع على اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار المرجعية الأساسية للاتفاقية إلا أنه بات من السهل أن يخرج أحد الذين يتجاهلون الحقائق ليلقى بالاتهامات ضد الجميع وينصب نفسه على أنه الحامى الوحيد الذى يمتلك صكوك الوطنية يوزعها على من يشاء.
ورغم أن وجوه الاثارة معروفة، وبعضها له علاقات مخجلة مع جماعة الإخوان، ويبث سمومه عبر قنواتها إلا أن بعض وسائل الاعلام راحت تحتفى بهم باعتبارهم حراس الأرض والوطنية، تفتح لهم الأبواق والصحف، ليشككوا فى جيش مصر العظيم والقيادة التى حافظت على الكيان الوطنى وتحدت مؤامرة الإخوان وانحازت إلى ثورة الشعب المصرى. إن السؤال الذى يطرح نفسه، هل هؤلاء بالفعل مخلصون فى رسالتهم التى روجوا لها بأنهم يمتلكون الوثائق التى تثبت مصرية تيران وصنافير، وان الآخرين تنازلوا عن الأرض وباعوها بأرخص الاثمان؟!.
الحقيقة أن من يتأمل الوجوه التى تبث سمومها وتحاول اشاعة الفوضى إنما يدرك على الفور أن «تيران وصنافير» ما هى إلا مدخل لهم للعودة إلى الساحة مرة أخرى، والقفز على الشارع ودفعه إلى الفوضى لاحراق الوطن واسقاط النظام وفتح الطريق أمام جماعة الإخوان الإرهابية.
لقد لفظ الشارع هذه الوجوه، التى انكشف هدفها وغرضها واجندتها والجهات التى تمولها فى مراكز تتلقى ملايين الدولارات علنا ودون مواربة، ولذلك راحوا يعدون خطة لاشاعة الفوضى مستغلين فى ذلك، وطنية المصريين، وحرصهم على تراب أرضهم. ويدرك هؤلاء أن عمرهم فى الكذب قصير، وان الشارع سيدوس عليهم ويسحقهم عندما يتعرف على الحقيقة، وإن الناس قد فقدت ثقتها بهم منذ أمد طويل، وان الارتباك الذى احدثوه فى الشارع بالكذب والضلال لن يستمر طويلاً.
إن الأحداث التى شهدتها البلاد خلال الفترة الأخيرة ومحاولات الزج بالشارع لتكرار سيناريو أحداث ما بعد 25 يناير، أكدت أن الشعب المصرى يمتلك وعيًا متقدمًا، واحساسًا بالمخاطر التى تستهدف البلاد، وفهمًا حقيقيًا لأصحاب الشعارات الكاذبة والتى تخفى من خلفها حقدًا دفينًا على هذا الوطن، بعد أن أصبح العداء له هو مصدر رزقهم الوحيد، من أصحاب المشروع الذى افشلته مصر والمسمى ب«الشرق الأوسط الجديد».
لقد كشفت أحداث الأيام الماضية، عن وجوه عديدة عادت تطل برأسها من جديد وتبث سمومها فى أوساط الجماهير، غير أن رد الشارع عليها كان حاسمًا وقويًا.
إن الصمود فى مواجهة حرب الاثارة والتخوين، وكشف حقائق الأمور، والأهداف الخفية، هو وحده السلاح الذى سوف يدحض كافة المؤامرات، ويعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح.