ما معنى أن تقرر دولة الإمارات على لسان نائب رئيسها وحاكم «دبى» محمد بن راشد آل مكتوم.. أن تستحدث منصبًا جديدًا، بدرجة وزير.. يكون وظيفته توفير السعادة للمواطنين؟ معناه أن هذه الدولة النفطية، العربية، الصغيرة تقر وتعترف ضمنًا بأن مواطنيها لا يتمتعون بالسعادة.. ومن ثمة لم تدخر وسعًا فى أن تنشأ لهم وزارة جديدة، لتصبح مهمتها الأساسية تخليق السعادة، ثم تقديمها لكل مواطنيها!! فهل السعادة مادة تؤكل، أو سائل يشرب، أم هواء يتنفسه المرء.. أم أنها مناخ عام متعدد الاتجاهات والمعطيات؟! وفى الآخر ما أحسبه يجلب لى السعادة.. قد يختلف مع سيادتك عزيزى القارئ.. إذن السعادة نسبية.. ومن المؤكد أنها تتوقف على مدى وعىّ الناس بها!! لكن دعنا نتفق بداية بأنه فى حالة الرخاء الاقتصادى العام، من حق الدولة أن تتخيّل، وأن تذهب بعيدًا لتدليل مواطنيها حتى لو آمنت بأن تنشئ لهم كيانًا يعالج ما يعكر صفو المواطن.. لكن كيف وأنه يعيش وسط محيط عربى تشتعل فيه نيران المحن والحروب بأنواعها بالوكالة، وبالإرهاب، وبالمذهبية والطائفية؟! الخريطة العربية تتغير، وتتمزق، ولا يزال بيننا من يحلم بزجاجة «عطر» عفوًا «سعادة» لكل مواطن.. فهل يستطيع؟! وإذا كانت هناك حكومات تتوهم، أو تتخيل جلب السعادة لمواطنيها.. فإن حكومتنا تجلب لنا ما هو أقرب للتعاسة.. إن لم يكن التعاسة والبؤس ذاته.. وإلا كيف نفسر ما أعلن عنه وزير النقل «سعد الجيوشى».. من الاستعانة بشركة أجنبية لإدارة تطوير «السكة الحديد».. لأن الوزارة المصرية فشلت فى إدارتها بامتياز ولعلك ترى ذلك بوضوح عزيزى القارئ.. فى «العياط» وغيرها! والشاهد أن وزارات النقل المتعاقبة، تواجه تلك المشكلة الكؤود فى إدارة مرفق «السكة الحديد».. حتى أن أسماه البعض «السكة الحضيض» نتيجة لكم الحوادث والفواجع الإنسانية التى تحدث فيه تباعًا منذ زمن «المخلوع» وحتى «المعزول» وإلى يومنا الحاضر.. وكأنه مختبر للفواجع الإنسانية.. من الصعيد وحتى وجه بحرى.. ولكن هل يعنى فشل وزارة ما.. أو حتى وزارات متفرقة فى إدارة ذلك المرفق المهم والخطير الذى يرجع تاريخه إلى ما يزيد عن قرن ونصف القرن؟!.. فهو أول سكة حديد على مستوى القارة الافريقية، وثانيها على مستوى العالم.. إذ يأتى بعد بريطانيا العظمى يوم أن انشأته فى زمن الاستعمار! ونعدد ونكرر هل معنى أن تفشل وزارة مصرية فى إدارة مرفق خطير يخدم ملايين المصريين صباح مساء، أن تسند إدارته إلى شركة أجنبية تديره وتعطينا نحن أصحاب البلد الأوامر والإرشادات كى نستجيب لتلك الإدارة والإرادة الأجنبية؟! هل صرنا نجلب الاستعمار الاقتصادى بأيدينا بعد أن تخلصنا من الاستعمار العسكرى؟! شىء أقرب إلى العبث بمقدرات البلاد.. ألم يعطنا عبدالناصر درسًا فى تأميم قناة السويس عام 56.. وكيف استعد بفريق من المصريين الأكفاء لإدارة القناة قبل الاعلان عن تأميمها.. فهل تراجعنا إلى ما قبل ثورة 23 يوليو.. حتى نجلب بأيدينا أن يستعمر عفوًا يعتلى مرافقنا الوطنية الحيوية ويحركها تبعًا لتخيلاته أو حتى أوهامه؟! وفى طريق التعاسة التى تداهمنا من وزير لا يعرف قيمة وخطورة استقلال القرار الوطنى فى إدارة المرافق العامة.. إلى من يعبث بعقولنا، ويقدم لنا ثقافة ملوثة.. نعم ملوثة.. لا تبنيها العقول بقدر ما تهدمها وتسطحها، ولا ترتقى بالوجدان بقدر ما تطرحه أرضًا نهبًا لكافة الأحزان من البذاءة والفجاجة! فها هى مسرحية «غيبوبة» والتى صارت مضربًا للأمثال السالبة.. بعد أن رفض عرضها شعب السويس المناضل.. ورغم ذلك سمعنا عنها أنها أخذت جائزة عن النص فى معرض الكتاب.. عن أى نص لا أدرى.. فقد شاهدت تلك المسرحية على مسرح السلام منذ شهرين تقريبًا.. وشعرت فى نهاية العرض وكأننى أكلت وجبة فاسدة.. وقد تحاملت على نفسى حتى النهاية حتى أقف على ماذا تريد المسرحية قوله.. رغم كم الفجاجة، والبذاءة إلا أننى أصبت فى النهاية بخيبة أمل!! ذلك أن بطل المسرحية «أحمد بدير» كان أداؤه هو الآفة التى طمست معالم نص.. فقد حوَّل المسرح إلى مجموعة من الاستكشات، والمنولوجات، بحجة استدرار الضحك.. لكنه للأسف وكما قال المتنبى.. ضحك كالبكاء.. على المسرح المصرى ودوره.. وعلى الثقافة المسرحية التى اندثرت وتراجعت إلى الخلف در!! ولعل ذلك ما جسده «محمد سعد» إن لم يفقه، فى برنامج جديد.. يبث لأول مرة على قناة خليجية تدعى «M.B.C» مصرية.. والبرنامج الذى اسمه «وش السعد» ما أن تشاهده إلا وتشعر معه بأنه «وش النحس» على فنوننا المصرية الأصيلة، وعلى ثقافتنا التى تدهس الأقدام فى وضح النهار.. والسؤال لصالح من نقدم هذا التشويه المتعمد، وهذه البذاءات والسفالات، والألفاظ الخادشة والحركات المقززة.. فهل حلال على أهل الخليج أن يبحثوا عن السعادة لمواطنيهم بينما يساهمون بأموالهم وبقناة مخصصة للمصريين.. فى جلب التعاسة للمصريين وأظنها للعرب الفاهمين والواعين لأهمية رسالة الفن وخطورة المرحلة.. مرحلة المصير!!