سمعت وقرأت كثيرا عن مافيا الدروس الخصوصية، وتابعت موضوعات وتحقيقات تناولت هذه الظاهرة التي باتت كالماء والهواء بالنسبة للطلاب، ولكني لم أكن أتصور أن يصل الامر الي هذا الحد الذي بات صادما بالنسبة لي، وبالطبع لكل من يراه رأي العين. منذ أيام ساقتني قدماي الي أحد مراكز الدروس الخصوصية لطلاب المرحلة الثانوية، كان الطقس في ذلك اليوم حارا جدا وكانت الساعة تقترب من الثالثة عصرا، رأيت أعدادا كبيرة من الطلاب يتوافدون علي قاعة الدرس التي كانت مخصصة لمادة الرياضيات لطلاب الثانوية العامة، علي الباب الخارجي للمركز، الذي هو في الاساس مجرد شقة في عمارة سكنية، يقف شابا يتصبب عرقا ويحمل بين يديه كشفا يدون فيه اسماء الطلاب، ويحصل قيمة الحصص عن الشهر بأكمله. علي باب غرفة الدرس يقف خمسة شباب آخرون، يعاودون الكشف علي اسم الطالب من جديد حتي لايهرب احدهم من الدفع، بينما يتولي الاخرون توزيع المذكرات ومراجعة الواجبات وجمع الكراسات من الطلاب، التعليمات واضحة لن يسمح بدخول احد بعد أن يبدأ'المستر' الحصة.. كل ذلك يتم قبل موعد بدء الحصة بنصف ساعة. فجأة اكتظت القاعة التي لاتزيد مساحتها علي مساحة غرفتين متوسطتي المساحة في أي شقة سكنية، عن آخرها، فالعدد تجاوز المائة طالب الذي تستوعبه المقاعد المتراصة في هذه المساحة الضيقة، تعالت أصوات مساعدي 'المستر' علي عمال المركز، لجلب مزيد من المقاعد، التي تم حشرها في الاماكن الفارغة المتبقية، بينما أصوات الطلاب تتعالي للشكوي من عدم قدرتهم علي التنفس، واحساسهم بالحر الشديد.. هنا اعترضت إحدي الامهات من تكدس الاعداد، فما كان من أحد المساعدين، الا ان رد عليها بكل غطرسة.. 'يعني أمنعهم من الدخول.. لو مش عاجبك حولي لسنتر تاني'. جلست أراقب المشهد، ودارت في ذهني مئات الاسئلة، فماالذي يمكن ان يعطيه هذا المدرس للطالب من فائدة، وهو الذي يتحرك بحاشيته من مساعدين يزيد عددهم علي الخمسة عشر، من مركز الي اخر ومن حصة لاخري وهكذا بعدد ساعات النهار، وكم يتقاضي نظير الحصة الواحدة، التي لو قمنا بجمع المبالغ المحصلة في عدد الطلاب، لحصلنا علي ارقام خيالية، لايتقاضاها من هم أكثر منه علما وخبرة. وزير التربية والتعليم الذي يتحدث عن محاربة الدروس الخصوصية مدعو لرصد هذه الظاهرة ومتابعتها عن كثب، فميزانية الدولة المخصصة للتعليم تتجاوز المليارات، ومع ذلك لاطائل من ورائها، والامر ليس مقصورا علي المدارس الحكومية التي لاتدرس شيئا لطلابها، ولكنه انسحب ايضا علي المدارس الخاصة التي تصل مصروفاتها إلي آلاف الجنيهات يدفعها ولي الامر صاغرا، ثم يضطر مرة اخري لدفع مايزيد عليها مقابل الدروس الخصوصية، والا سيكون مصير ابنه الفشل.. واخيرا أقول إن مصر بلد العجائب.. لاتحرمنا من ظواهر غريبة تكاد تكون حصرية في مجتمعنا دون سائر الامم..