'السياسة لعبة المتغيرات'، هكذا أطلق عليها المحللون، ولكن عندما تجد رجلا سياسيا لا يتغير ولا يتنازل عن مبادئه، فحتما أنت تتحدث عن الدكتور نعمان جمعة رحمه الله. لقد مر علي مصر العديد من السياسيين، ولكن يبقي عدد قليل جدا في الذاكرة، منهم الدكتور نعمان جمعة 'السياسي النيل'. نعمان جمعة المولود في 22 يونيو عام 1934، إلتحق بكلية الحقوق وبعد التخرج عمل وكيلاً للنائب العام، ثم تنقل بين نيابات جنوبالقاهرة، وباب الشعرية. وفي ديسمبر عام 1956، وقع العدوان الثلاثي علي مصر، ووقتها انضم الفدائي البطل نعمان جمعه وعمره 22 عاماً، إلي الفدائيين وحارب الإسرائيليين في سيناء، ولكن تم أسره من قبل القوات الفرنسية وبعد حوالي شهرين، تم الإفراج عن الشاب الثائر نعمان ورفاقه. بعد الإفراج سافر نعمان جمعة إلي فرنسا في بعثة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وبالفعل حصل نعمان علي الدكتوراة في القانون المدني بتفوق، وحرصت جامعة باريس علي أن تضمه إلي صفوف هيئة التدريس للاستفادة بكفاءته، بالإضافة إلي عمله بالمحاماة. بعد عشر سنوات قضاها في باريس قرر الدكتور نعمان العودة إلي مصر، ليدرس لأجيالها القانون، حيث التحق للعمل بالتدريس في حقوق القاهرة، وتدرج أستاذ الجامعة في المناصب حتي انتخب عميداً لكلية الحقوق مرتين متتاليتين من عام 1988 إلي عام 1994 ورئيس قسم القانون المدني لمدة سبع سنوات. علي الجانب السياسي، ظل الدكتور نعمان جمعة إبنا بارا بحزب الوفد، الذي أمضي حياته وسنوات كفاحه فيه، بل ودخل في صراعات كثيرة مع سلطة مبارك الفاسدة من أجل الحزب العريق وقتها، حيث بدأت رحلة نعمان جمعة مع الوفد منذ عام 1978، حين دخل رموز الوفد بقيادة فؤاد باشا سراج الدين والدكتور نعمان جمعة، في صراع مع السلطة داخل أروقة المحاكم، وتمكن الدكتور نعمان جمعة من الحصول علي حكم تاريخي بعودة الوفد إلي الحياة السياسية عام 1984. منذ عام 1984، كان الدكتور نعمان جمعة، ينظم عملية ترشيح الوفد لقائمة انتخابات المحليات في شمال القاهرة بالتعاون مع كرم زيدان وأحمد طه وقتها، وذلك للحصول علي قرار سليم يمكنه من الطعن أمام القضاء الإداري، حيث كان يعد الأوراق، ويجمع الوثائق، ويرفع الدعاوي، ويترافع أمام القضاء مطالباً بعودة الوفد. نجح الدكتور نعمان جمعة إعادة حزب الوفد مرة أخري، وقد أعلن ذلك في مؤتمر صحفي عالمي بنقابة المحامين، لأن فؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج كانا معزولين سياسياً. منذ ذلك التاريخ، والدكتور نعمان هو الذراع اليمني، والرجل الثاني لفؤاد باشا سراج الدين، حيث ظل ملاصقاً له، يشاركه تحركاته، وقراراته، وكل معارك الوفد، حتي أن عددا من من قيادات الوفد التاريخية وصفت العلاقة بينهم بالأبوية، وأكدت أن فؤاد باشا، قد أوصي بالدكتور نعمان كخليفة له. مع عودة الوفد وصدور صحيفته في 22 مارس عام 1984، حيث خصص الدكتور نعمان جمعة، له زاوية بالصحيفة بعنوان 'نبضات'. في 9 أغسطس عام 2000 رحل زعيم الوفد فؤاد باشا سراج الدين، وكان الدكتور نعمان هو النائب الأول لرئيس الوفد، وحسب نص لائحة الحزب، يتولي النائب الأول الرئاسة لحين انتخاب الرئيس الجديد، وهذا ما فعله الدكتور نعمان بالفعل. وفي 15 أغسطس 2000، أصدر الدكتور نعمان جمعة بصفته رئيساً للحزب، قراراً بدعوة الهيئة الوفدية للاجتماع في أول سبتمبر، لانتخاب رئيس جديد لحزب الوفد، خلفاً للراحل فؤاد سراج الدين، وتضمن القرار، فتح باب الترشيح للمنصب. أجريت الانتخابات في التاريخ ذاته، وأعلن فوز الدكتور نعمان جمعة برئاسة حزب الوفد خلفاً للزعيم الراحل فؤاد باشا سراج الدين، حيث أجريت في جو ديمقراطي فريد، وتنافس فيه 4 مرشحين، في النهاية حصل الدكتور نعمان جمعة علي نسبة كبيرة للغاية 78.25% من الأصوات. في عام 2005، خاض الدكتور نعمان جمعة إنتخابات رئاسة الجمهورية بصفته رئيس حزب الوفد، ضد مبارك الفاسد ونظامه، ورفض وقتها الحصول علي أي مبلغ مالي كدعم له كمرشح في انتخابات الرئاسة، ولكنه بس تضييق النظام وعناصره الفاسدة والتزوير الفج، حصل الدكتور نعمان علي المركز الثالث. تعرض الدكتور نعمان جمعة لمؤمرات نظام مبارك وأتباعه عام 2006، وذلك للتخلص من الرجل الوطني الشريف، بإستخدام بعض رجالات الحزب الوطني والحكومة داخل الوفد، وبالفعل تم تنفيذ المخطط، وكان 'السياسي النبيل' في الحزب وقتها، وفي النهاية كانت 'المعركة الأخيرة'. منذ ذلك التاريخ ابتعد الدكتور نعمان جمعة عن الصراعات السياسية، وكان يري دائما أن المستقبل للشباب والنصيحة تخرج من الكبار. رحل 'السياسي النبيل' الدكتور نعمان جمعة عن عالمنا في 28 أكتوبر عام 2014، لتفقد السياسة المصرية رجلا من أهم رجالاتها الشرفاء، والذي لن يتكرر مرة أخري.