تدخل المأكولات والزينة البيئية بقوة في تحضيرات الألمان لأعياد الميلاد.وتشير الإحصائيات إلي أن 78% من الألمان يراعون في شرائهم لهدايا أعياد الميلاد مدي رأفة الهدية بالبيئة. يفقد الألمان أملهم بمعايشة أعياد ميلاد بيضاء، لأن الدائرة الجوية تتنبأ بأعياد دافئة لم يسبق لها مثيل، لا يسقط فيها الثلج بفعل التحولات المناخية الدراماتيكية في العالم. وهكذا، لا يتبقي للألمان غير انتظار أعياد ميلاد خضراء، تعبر عن الوعي المتزايد بضرورات حماية البيئية، ليسهموا بتعديل الميزان البيئي مجددًا نحو ليال أعياد ميلاد بيضاء كالثلج. المعروف أن أعياد الميلاد هي المناسبة الوحيدة التي تثير هوس الاستهلاك في ألمانيا حد فقدان الوعي الاقتصادي. وعدا عن هدايا الأعياد التي كلفت عدة مليارات هذا العام، خصص الألمان مبلغ 700 مليون يورو، أو 1, 1 مليار دولار، لشراء أشجار الميلاد.هذا يعني أن استهلاك الألمان، الواعون بيئيًا عادة، للأشجار الابرية المزينة بالمصابيح والكرات الملونه والنجوم اللامعة قد ازداد بشكل ظاهر. وزاد معه عدد الأشجار التي ستجد طريقها إلي المزابل والمحارق بعد الأعياد. اشتري الألمان في العام 2014 اكثر من 30 مليون شجرة، ودفعوا 700 مليون يورو ثمنًا لها، أي ما يزيد بنسبة 70, 1% عن العام 2000. وهذا يظهر أن كل منزل ألماني خصص مبلغ 17 يورو لشراء شجرة عيد ميلاد طبيعية، وهذا لا يشمل عدد الأشجار الاصطناعية بالطبع. وعبرت اورسولا جايسمان، المتحدثة باسم إتحاد تجار الخشب، عن سعادتها بتوجه الألمان إلي شراء الأشجار الطبيعية وانحسار شراء الأشجار الاصطناعية، لكنها نوهت إلي أن التركيز علي شراء الأشجار الطبيعية يعني من جديد تشجيع ظاهرة قطع الغابات. وكي لا تجد الأشجار الابرية الجميلة، التي يتراوح طولها عادة بين 70-200سم، طريقها إلي المحارق والمزابل بعد انتهاء الأعياد، اطلق شابان ألمانيان مبادرة 'الشجرة السعيدة'، التي توصل الشجرة داخل زهرية كبيرة وأنيقة إلي باب منزل الزبون، ثم تنقلها منه وتعيد زرعها مجددًا بعد انتهاء الأعياد. وقال يان فيهماير، أحد مؤسسي المبادرة، أنهما يتلقيان الدعم من منظمة 'روبن وود'، التي تدافع عن حقوق البيئة. وأضاف: 'نشاط المبادرة يقتصر علي مدينتي كولون ودسلدورف في هذا العام، وبأمل نقلها إلي المدن الكبيرة الأخري في الأعوام المقبلة'. وتضمن المبادرة للمواطنين الأشجار، وإعادة زرعها وتنميتها، من دون استخدام الأسمدة الكيمياوية السائدة في مكافحة الحشرات، ومن ثم العمل علي زرعها في الغابات نهائيًا بعد تخطيها الطول المناسب لاحتفالات أعياد الميلاد في البيوت. سعر الشجرة 60 إلي80 يورو، وتتحمل المبادرة كلفة النقل، كما تزود المستهلك بأسمدة طبيعية مع تعليمات عن كيفية صيانة الشجرة. وهذا يشجع شراء الأشجار المزروعة محليًا لأن دائرة البيئة الاتحادية تنتقد شراء الأشجار من الصين والهند بسبب قطع الأشجار غير الشرعي والذي يؤدي إلي تصحر الغابات هناك. المشجع أيضًا هو أن مشتريات الألمان هذا العام من الأشجار المستوردة اقتصر علي 10% فقط. يقلب المواطن الألماني كتب الأطفال جيدًا، ويبحث فيها عن ختم دائرة البيئة الاتحادية قبل أن يضع كتابًا لطفله تحت شجرة عيد الميلاد، إذ تعتبر الكتب من أهم هدايا الناس الواعين في ألمانيا، ولا يتفوق عليها في المبيعات غير الأجهزة الإلكترونية، لكن كتب الأطفال قد تكون مصنوعة من عجينة ورق استخدمت في إنتاجها أشجار الأمازون. ويتعامل صندوق البيئة الدولي مع هذه الغابات كأهم العوالم البيئية المهددة بالانقراض نتيجة القطع غير المسؤول للاشجار، بل والقطع 'اللصوصي' لمافيات التجارة بالخشب. قال يوهانيس زانين، من صندوق البيئة الدولي، إن دراسة علمية أجريت من قبل مختصين علي 79 كتابًا للأطفال صدرت في ألمانيا أثبتت أن 30 بالمئة منها يحتوي علي كمية كبيرة من أخشاب شجر غابات المطر، مع نسبة أخري أصغر ترتفع فيها نسبة هذه الأشجار إلي أكثر من 50 بالمئة. أطلق علي الدراسة اسم 'لصوص الغابات'، وجري فيها تحليل محتويات الورق في مختبرات متقدمة. وتشهد أعياد الميلاد هذا العام في ألمانيا رواج أدوات طعام بيئية يمكن أن تكون البديل الحقيقي للبلاستيك. إنها 'ايكو سبوون'، أو الملعقة البيئية، يمكن التهامها بعد الاستعمال. وتقول مصادر الشركة انها استخدمت دقيق الذرة ونخالة الحنطة والبيض والسكر والملح والبهارات في صناعتها، ثم انها طيبة المذاق ويمكن للمستخدم أن يلتهمها بعد تمتعه بوجبة طعام دسمة. والطريف أن المنتج تلاعب بمحتويات الأدوات من الملح والسكر والبهارات كي تلائم الوجبة التي يتناولها، أو أن تكون مكملة لها. وهكذا يمكنه اختيار شوكة ذات طعم بالفلفل عند تناوله السمك، أو ملعقة بلا ملح إذا كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم، أو أن يختار سكينًا لا تدخل النشويات في صناعتها إذا كان يعاني من السكري. وكتبت الشركة المصنعة علي ملاعقها: 'بيئية100%، قابلة للتحلل 100%، قابلة للالتهام 100%، صحية للإنسان ورئيفة بالبيئة 100%'. ورق هدايا مدور 100% للف الهدايا ووضعها تحت الشجرة، سلاسل أنوار من مصابيح 'ليد' ومصابيح السولار تزين شجرة عيد الميلاد وتقلل استهلاك الطاقة، نجمة بيت لحم من العجين المخبوز علي قمة الشجرة يمكن التهامها، شموع قابلة للتدوير، نجمات من ورق طبيعي مصبوغ بالفضي. هذه ليست إلا نماذج من أعياد الميلاد الخضراء التي ستحل خلال أيام علي الناس بدلًا من الليالي البيضاء. 10% من الألمان يصرون علي معاكسة التغيرات الجوية والتمتع بالثلج الأبيض علي نوافذهم وحول بيوتهم، فيستخدمون مدافع ثلج صغيرة لتوفير أجواء ليالي أعياد بيضاء لاحتفالاتهم. وتحذر دائرة البيئة هؤلاء من أن مدافع الثلج تستخدم مواد كيمياوية تبقي علي التربة بعد انقشاع الثلوج، وتضر ببيئة حدائقهم لاحقًا. ومعروف أن يد الألماني ترتخي قبضتها علي محفظته خلال أيام أعياد الميلاد ويخصص الكثير من المال للهدايا. لكن ذلك ليس كل شيء، لأن رغبته في التبرع للفقراء والمنظمات الإنسانية والبيئية تتحسن أيضًا. وبلغت تبرعات الألمان نحو 5 مليارات يورو في هذا العام، صدر 40% منها في شهر كانون الأول 'ديسمبر' الجاري. وذهبت هذه الأموال إلي 120 ألف مؤسسة خاصة و500 ألف جمعية خيرية، وكانت حصة منظمات حماية البيئة نحو 20%، وهو رقم قياسي جديد يعبر عن علاقة الإنسان بالبيئة.