ونظرا لما أثير حول 'السيارة الجيب' التي اعتبرها الأمن أخطر عملية إرهابية يقوم بها مصطفي مشهور.. فقد يتساءل البعض عن أهمية تلك القضية، وما جري فيها.. وما الذي أمكن ضبطه في تلك السيارة التي اشتراها الإخوان من مخلفات الجيش الانجليزي؟ ونستخلص الاجابة من شهادة 'عصام حسونة' وزير العدل الأسبق والذي حقق بنفسه في القضية، عندما كان وكيلا للنائب العام في السيدة زينب.. والذي وصف القضية بأنها مخطط إخواني كامل لتفجير عدد من الأماكن الحيوية في القاهرة والمحافظات.. وقام علي التخطيط مصطفي مشهور الذي تعهد بتفجير مطار ألماظة الذي كان يعمل به باحثا جويا، كما خطط أيضا لنسف البنك الأهلي الذي كان يعمل به زميله في الإخوان والقضية أحمد عادل كمال.. إلي جانب نسف عدد من القصور والجسور والقناطر.. يقوم عصام حسونة إن مصر استيقظت يوم 15 نوفمبر 1948 لتعرف أن للإخوان تنظيما سريا مسلحا، استكمل تدريبه علي القتال وأصبح يمثل قوة تتهيأ للاستيلاء علي السلطة.. تنظيما له جهاز مخابراته الذي تسلل إلي الأجهزة الحساسة في الدولة ويمتلك جهازا إعلاميا، ومحطة اذاعة.. إنها دولة فوق الدولة.. وتستعد للانقضاض عليها.. واعترف قادة ذلك التنظيم بإعداد مخطط كامل لنسف ثكنات الجيش المصري، وتعطيل أسلحته عن طريق العمال الموالين لهم.. وإعداد القنابل والمواد الناسفة لنسف مكاتب شركة قناة السويس وورشها ومعداتها، ثم تعطيل خطوط السكك الحديدية، ونسف القطارات بواسطة الألغام، ونسف الطرق والكباري، ونسف أقسام الشرطة والاستيلاء علي أسلحتها.. ووجدت خطة بخط يد مصطفي مشهور لنسف مطار ألماظة، ومخازنه ومعداته.. يضيف عصام حسونة أن السيارة كانت مملوءة بالمتفجرات والأسلحة والألغام وكميات كبيرة من المواد الناسفة من أنواع مختلفة، والقنابل ولفافات من فتيل الإشعال ومدفع ستن وخزانات خاصة به، و27 مسدسا من أنواع مختلفة، و4 خناجر، وعدد كبير من الطلقات النارية والمفجرات الكهربائية والطرفية وست ساعات زمنية وأقنعة سوداء، وكلها كان أحمد عادل كمال مكلفا بنقلها من شقة بحي المحمدي إلي شقة بالعباسية يملكها الإخواني إبراهيم محمود وهو ترزي بالعباسية.. وشاء حظهم أن تقع في يد الشرطة بمحض الصدفة.. ويؤكد عصام حسونة أن الأوراق التي ضبطت بالسيارة أخطر ألف مرة من كل الأسلحة التي تم ضبطها.. لأنها كشفت عن التنظيم السري المسلح وقادته وخططه.. وقد ضبطت مع مصطفي مشهور حقيبة بها كل أوراق الجهاز السري، وخرائط للعمليات التخريبية المكلف بها. وكان قادة الجهاز السري علي موعد في منزل مصطفي مشهور للاتفاق علي عمليات جديدة.. وعندما ذهب رجال الأمن لتفتيش منزل مصطفي مشهور فور القبض عليه وجدوا عنده أحمد حسنين، وأحمد زكي، ومحمود الصباغ من قادة الجهاز.. أما رئيس الجهاز عبد الرحمن السندي فقد وصل متأخرا وشعر بحاسته الأمنية أن المنزل مراقب فاستمر في طريقه ولم يدخل.. ومن الأوراق التي تم ضبطها في السيارة دراسة تحت عنوان 'قانون التكوين' تتضمن بيانات عن كيفية تكوين الجهاز السري علي نظام الخلايا من هيئة قيادة وأركان وأفراد.. وأوراق توضح كيفية تعقب الأشخاص ومواصفات الشخص المكلف بالتعقب من سرعة الملاحظة والاستنتاج والقدرة علي التنكر.. إلي جانب كراسة تحتوي علي بيانات عن أماكن بمدينة الاسماعيلية ذكرت فيها أقسام البوليس وكيفية نسفها واغتيال ضباطها وجنودها وقطع وسائل الاتصال.. وفي الحافظة التي ضبطت مع مصطفي مشهور وجدت أوراق عن برامج الدعاية الداخلية والخارجية وضرورة تعيين مندوبين في بلدان العالم.. وثلاث ورقات عن 'الإعلانات والتعويضات والتهريب' بكافة المواصلات من طائرات وسفن وسيارات وقوافل.. وعن البضائع المهربة.. والعملات الصعبة.. وإعداد أشخاص لتعيينهم في الأماكن الحساسة مثل المواني والمطارات.. إلي جانب أوراق كثيرة حررها جهاز مخابرات الإخوان.. عن بعض الأحزاب.. والتجسس علي الشخصيات العامة، وتقارير عن البنك الأهلي وفروعه ونظم الحراسة وأسلوب مهاجمتها بواسطة أشخاص مدربين ومسلحين بمدافع 'تومي' وقنابل يدوية.. والعديد من المحلات التجارية في وسط البلد، والسفارات وقصور الشخصيات السياسية.. وقد أسفر الحادث عن اعتقال 32 من قادة الجهاز السري للإخوان علي رأسهم مصطفي مشهور وعبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال.. وعلي عادة الإخوان فقد تم تكليف هيئة دفاع من أشهر المحامين في ذلك الزمان: أحمد رشدي، علي بدوي، مصطفي القللي، فتحي رضوان، عزيز فهمي، يوسف حلمي وغيرهم.. ولأن القضية قد تداخلت في عدة قضايا أعقبتها مثل اغتيال سليم زكي حكمدار العاصمة، وحل جماعة الإخوان ثم مصرع النقراشي باشا، والزج بالقضية في متاهات حرب فلسطين فقد صدر الحكم بالسجن المشدد علي مصطفي مشهور لمدة ثلاث سنوات.. مع خمسة من زملائه، أما السندي وأحمد عادل وغيرهما فقد حكم عليهم بالسجن لمدة سنتين.. وبراءة عدد من المتهمين. ومن طريف ما يمكن ذكره.. أنني كنت في زيارة للدكتور فريد عبد الخالق.. من الرعيل الأول للإخوان.. ومن رفاق حسن البنا، والموثوق فيهم من كافة التيارات داخل الإخوان.. وتحاورنا كثيرا فيما جري وعرج الحديث علي قضية سيارة الجيب.. كان د.فريد يسرع الخطي نحو المائة.. فقال لي إذا أردت أن تعرف كل شيء عن القضية فعليك ب 'أحمد عادل كمال' لأنه من يعلم كافة التفاصيل.. وقام بالاتصال به، والتعريف.. كان ذلك قبل رحيله بشهور قليلة.. وعندما اتصلت ب 'أحمد عادل كمال' وقتها.. أحالني بدوره إلي 'جمال عطية' من سكان المعادي وكان يعمل بالنيابة.. وخلال حديثي معه أخذ يغريني بالتواصل مع د.سيد دسوقي أستاذ هندسة الطيران حاليا بكلية الهندسة جامعة القاهرة.. ومن غرائب الأمور أنه تحدث معي بلطف شديد.. ثم أحالني إلي من يعرف أكثر د.صلاح عبد المتعال الأستاذ حاليا بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية.. وكنت قد جمعت كافة المعلومات التي تخص كلا منهم.. فلما أخبرني د.صلاح عبد المتعال بأنه لا يعلم الكثير عما أريد مناقشته معه.. أخبرته أنني أعرف أنه كان أصغر المتهمين في قضية السيارة الجيب.. كان عمره 18 سنة وكان تلميذا في المدرسة الثانوية.. وأنه قد حكم عليه بالسجن لمدة سنتين.. شأنه شأن عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السري المسلح.. وأيضا أحمد عادل كمال مهندس عملية السيارة الجيب.. فصمت الدكتور صلاح قليلا ثم قال: طيب وانت عايز تعرف ايه تاني؟؟ وما زلنا مع أخطر كوادر الإخوان.. المرشد الخامس: مصطفي مشهور..