عند مراحل التحول في تاريخ مصر استعملنا تعبيرات ونظم مختلفة منذ حركة التطهير في بداية ثورة 52، ثم محاكم الثورة، ثم نظام المدعي الاشتراكي والمحاكم الاستثنائية التي صاحبته في عهد الرئيس السادات. وأصارح القاريء أنني ظللت دائماً تقليدياً في تفضيلي لنظام القضاء الذي تربينا في ظله، وحمي المجتمع بتقاليده الشامخة. وبالتالي حينما أسمع عن اتجاه لإجراءات استثنائية، وأقصد بها عاجلة، ولا تخضع قبلها لكلمة القاضي وتبيان الحقيقة من جانب جهات التحقيق الطبيعية وهي النيابة العامة، أشعر بالقلق أن العدالة لن تتحقق بحكم قاعدة التسرع وطبيعة الإجراءات الاستثنائية . وهذا ما أشعر به اليوم وأنا أسمع عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية والمؤسسات التابعة لها. وأسمح لنفسي اليوم بمناسبة إعادة الهيكلة أن أوجه خمس وصايا "مجازاً" إلي وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يوسف. أولاً: الوصايا الخمس أوصي سيادتكم بعدم اتخاذ قرارات سريعة بالإحالة علي التقاعد لضباط الشرطة والبوليس والأمن الوطني تحت ضغط الشارع أو حتي مجلس الشعب دون أن تسبق هذه الإجراءات الاستثنائية ضد هؤلاء الضباط تحقيقات جادة من جهات مسئولة وعادلة. أوصي سيادتكم بالاستعانة برأي ومشورة بعض زملائك وزراء الداخلية السابقين، وبعض رجال القانون والفكر ممن يتحدثون لغة العقل. أوصي سيادتكم... أن تعملوا وتطبقوا ما تعرفونه لتفادي كسر معنويات ضابط البوليس إذا أحس بالظلم، إذ كيف سنستطيع بعد ذلك أن نمنع زملاءه من التفكير مائة مرة والتخوف من مواجهة نفس المصير عند ممارسة عملهم في التصدي ومواجهة الخارجين عن القانون حماية للمواطن؟ أوصي بالاستعانة بالمجلس العسكري والثقة بأنه كان دائماً يربط بين دور الجيش والشرطة في مسئولية حماية الاستقرار والأمن.. وكان يثني علي دور الشرطة بكل أمانة وموضوعية. أوصي بأن تضع في الاعتبار ألا تأخذك القوي السياسية وأصحاب الهوي نحو أهدافهم الذاتية والمزايدات . كما أرجو ألا تنسي أن شعب مصر يذكر لك حقيقة أنك أحد كبار خبراء الأمن الجنائي، وأنه عند توليك مسئولية وزارة الداخلية تصديت بجرأة مخططة للبلطجة والبلطجية وأنه دخل كثير منهم الجحور وقتها. ولكن أدعو الله ألا أكون مخطئاً عندما أقول أن تعدد المعارك التي فرضت عليك قد يكون هو السبب في أن البلطجية والخارجين عن القانون قد سجلوا عدة أهداف في الأسابيع الماضية أقلقت شعب مصر. ثانياً: نداء لرجال الشرطة والبوليس: ساندوا مهمة محافظ القاهرة خلال لقاء اجتماعي لي مع محافظ القاهرة النشط والمحترم المهندس عبد القوي خليفة سألته : "ما هي فرص نجاح مشروعك عن نظافة القاهرة، وفكرة توقيع جزاءات مالية علي من قبلوا علي أنفسهم أن يساهموا في دعم أكوام القمامة بإهمالهم وانعدام المسئولية لديهم وغياب فكرة أن النظافة من الإيمان"..؟! فوضح الرجل أبعاد خطته، ولكنه كعادته كان صريحاً بقوله "ولكن الكلمة الأخيرة تكمن في الموقف الحاسم والحازم الذي يمكن أن يلعبه رجال الشرطة والبوليس في فرض الجزاء المالي. وأوجه نداء إلي وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يوسف رغم مهامه الحالية بالغة الصعوبة والتعقيد وأنا أدعو له "كان الله في عونك" أن تعطي لهذا الموضوع جزءا من وقتك، وأراهن أنه بالنسبة لرجل حازم مثلك يكفي عشرة دقائق ... لا أكثر من وقتك لإعطاء توجيهات صريحة لرجالك لدعم جهود محافظ القاهرة. وأقول لمحافظ القاهرة أنني أوجه نداء آخر للدكتور عبد العزيز حجازي -رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية ورئيس وزراء مصر الأسبق- أن يحاول مع المؤسسات المتعاونة معه في خلق أفكار تساهم في تنفيذ طموحات محافظ القاهرة في هذا المجال. ثالثاً: مصر للطيران مازالت بخير شاءت الصدف عند عودتي من باريس أن أكتشف ضياع إحدي حقائبي، فذهبت إلي القسم المختص في المطار والذي أعجبت بفاعلية وأدب القائمين عليه في الاهتمام بشكواي، ثم بالبحث الجاد عن الحقيبة قبل إبلاغي بالخبر السعيد في الواحدة صباحاً، وأن تصلني الحقيبة حتي باب بيتي بعد التنبيه علي بأنه لا يوجد أي التزام مالي تجاه مصر للطيران.