منذ مايقرب من شهر وبالتحديد ذات أمسية ربيعية رائعة طغي فيها اللون الأحمر علي جميع انحاء انجلترا وخاصة مدينة ليفربول بعد أن نجح فريق هذه المدينة الساحلية في تحقيق ما يشبه المعجزة بإقصائه أكبر أندية أوروبا في العقد الأخير فريق برشلونة الإسباني بعد ان فاز عليه بأربعة أهداف.. أربعة اهداف النتيجة التي اجمع كل متابعي وعشاق كرة القدم وخبرائها ومحلليها بأنها مستحيلة.. ولكن الاستحالة كلمة لم ترد في قاموس ليفربول الذي آمن بجنون كرة القدم وعوض هزيمته بثلاثية بالكامب نو وتأهل إلي نهائي أبطال أوروبا. في تلك الأمسية الشاعرية وقبل ان يتغني الجميع بما فعله ابناء المدرب الألماني يورجن كلوب أو يؤمن أحد بأن المستحيل من الممكن أن يتحقق في هذه الليلة.. ظهر من بعيد وسط ضجيج الجمهور الأحمر قبل انطلاق اللقاء، شخص تكسو ملامحه الابتسامة المتمنية الواثقة شخص مكانه لم يكن أبدا في المدرجات ولكن هناك علي المستطيل الأخضر ولأنه يعلم جيدا ان كل شئ ممكن ان يحدث في عالم الساحرة كان متفائلا للغاية وسط كآبة وانكسار كل من ينتمي للريدز في ذلك اليوم. وفور دخوله الملعب تحولت كل الأعين بنظرة ثاقبة له وفوجئ الجميع بما يرتديه او بالأدق بالجملة المكتوبة علي "التيشرت" الخاص به "never give up" فيما يعني" لا تستلم أبدا". لم يكن يعلم ان كلامه الذي يؤمن به سيراه يتحقق أمام عينه بعد دقائق.. هذا الشخص اسمه محمد صلاح أو كما يطلق عليه "the Egyptian king". صلاح بات الكلام والحديث عنه لا يكفي لا يوجد ما يفي حقه أو يشرح مكنون هذا الشخص الإعجازي الذي خرج لسماء المجد والنجومية من رحم المعاناة.. كتب الكثير عنه وتغنت الجماهير به ونال كل كلمات المديح والإطراء من كل الشعراء بل أصبح هو وحده قصيدة شعرية. البداية صلاح ولد في قرية نجريج ومنذ نشأته أحب الكرة وأغرم بها أكثر من اي شئ آخر في الدنيا وكانت أول خطواته نحو رحلة المجد وهو في عامه الثامن من عمره من مركز شباب قريته. وكانت سمات النجومية واضحة عليه منذ الصغر حيث يقول عنه مدربه السابق في البلدة الصغيرة غمري السعداني :" نجاحه ليس بسبب مجرد موهبة، إنما بفضل عزيمته الفولاذية ومجهوده وإصراره".. ومن نجريج لفريق بمدينة بسيون ثم الانتقال لفريق بطنطا. الانطلاقة لم يتوقف حلم صلاح عند مجرد اللعب بمركز الشباب والفرق الصغيرة مثلما يفعل كل أقرانه في تلك الفترة. فباتت نجريج ومراكز الشباب والفرق الصغيرة لاتسع لحلم صلاح الذي بدأ ينمو في مخيلته. وكان لابد من نقلة جديدة تنقله لأول طرق لعب الكرة الحقيقي بعيدا عن لعب الهواة. وبالفعل انضم صلاح لناشئي المقاولون العرب لتبدأ معها اولي علامات الجلد والإصرار والإيمان تظهر علي شخصية اللاعب الشاب. حيث يروي الجميع عن كفاح صلاح في تلك الفترة حيث اكد جميع ابناء بلدته وأسرته انه كان لا يزال في الرابعة عشرة من عمره عندما انضم إلي فريق نادي المقاولون، وكان يضطر إلي أن يمضي قرابة عشر ساعات يوميا في وسائل المواصلات ليواظب علي مرانه اليومي. الظهور تدرج صلاح في فرق الناشئين بالمقاولون وسط اشادات كل مدربيه حتي وصل إلي الفريق الأول وبدأ اسمه" يسمع" في الدوري خلال الموسمين اللذين قدمهما مع ابناء الجبل الأصفر حتي ارتبط اسمه بأنه علي مشارف الانضمام بنادي الزمالك ولكن خرج ممدوح عباس رئيس القلعة البيضاء في تلك الفترة وقال "إنه لسة محتاج كتير حتي يستطيع الانضمام للزمالك". ولكن لم يتوقف صلاح أو يحبط بعد كلام عباس لكنه تمسك بإيمانه "لاتستلم أبدا" وبالفعل عسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وفي نفس العام ينتقل صلاح إلي بازل السويسري في رحلة احتراف قال البعض عنها انها رحلة سريعة وسيعود إلي ارض الوطن بلا نجاح باهر كباقي من سبقه في تلك الرحلة. الاحتراف توج في العامين اللذين قضاهما مع بازل السويسري بالدوري ووصيف الكأس وحصل علي جائزة أفضل لاعب في سويسرا وفاز بجائزة افضل لاعب افريقي صاعد من الكاف. وبدأ اسم صلاح يسطع في سماء أوروبا واستطاع ان يلفت انظار المدرب الداهية مورينيو المدير الفني لتشيلسي في ذلك الوقت وأصر علي التعاقد معه وكانت هنا نقلة أخري في حياة صلاح لعلها اهم خطوة في مسيرته لأنها هي التي وضعته وسط كبار أوروبا. التكوين منذ اليوم الأول لصلاح في قلعة البلوز وظهر علي مورينيو أنه يتبني هذا اللاعب الشاب ويرغب في استمراره في النادي.. ولكن الدوري الإنجليزي لا مكان فيه للمشاعر.. صلاح في ذلك التوقيت لم يكن يكتمل بعد كلاعب محترف قادر علي فرض نفسه وسط التشكيل الأساسي ولكن كلما أخذ بعض الوقت في المشاركة يثبت نجاحه وأنه موهبة واعدة. ولكن لأن صلاح ضد الاستسلام رفض الدكة وأراد الخروج من بوابة تشيلسي لأنه يريد أن يصبح لاعبا وليس نجم دكة.. وإيمانا من مورينيو بقدرات صلاح رفض البرتغالي التفريط فيه وقرر أن يبعث هذه الموهبة لإيطاليا حتي تنضج ثم تعود لأحضانه من جديد، حيث أكد مورينيو ان طموح صلاح كان بلا سقف ويريد المزيد من الدقائق للمشاركة.. فأرسله إلي فيورنتينا وهناك عرف صلاح طريقة بناء نفسه ليصبح نجما يوما تلو الآخر يتوهج اسمه بأهدافه وتمريراته ومهاراته واستطاع في 6 أشهر فقط أن يكسب حب جمهور "الفيولا". ثم قرر تشيلسي عقب انتهاء اعارته إلي بيعه لروما ومن هنا تحديدا بدأت نقطة الانطلاقة التي لم يتوقف صلاح من بعدها. النجومية انهالت الأندية الأوروبية الكبيرة علي روما أملا في التعاقد مع النجم المصري بعد ان بات صلاح مشروع نجم كبير ورأي الجميع فيه أنه الأسطورة الكروية التي ستعتلي عرش النجومية في الفترة القادمة.. تفكير صلاح بعثه للمكان الصحيح، لليفربول في حلته الجديدة تحت قيادة كلوب الذي بدأ في استعادة بريق الليفر من جديد. كما لعب صلاح مع المنتخب الوطني دورا مهما وقاد الفريق لنهائي الأمم الأفريقية بعد غياب 3 دورات متتالية عن المشاركة بل وحقق ما عجز عن فعله كل اللاعبين في الثلاثين سنة الأخيرة وذلك بقيادته الفراعنة إلي المونديال الروسي.. فباتت الأحلام تتحق علي يد صلاح وبات كل ما كان مستحيلا ممكنا.