لا توجد ذاكرة قوية تكفي لجعلك ناجحا فى الكذب فمن سلم العراق لأسلحة الدمار الشامل يلومنا الآن على ضياع فلسطين. قواعد العمل السياسى لا تختلف كثيرا عن آليات السوق الهدف من ممارستهما ..هو الربح . تستطيع أن تشترى وتبيع فى سوق السياسة كما فى وكالة البلح ، تفاوض وتفاصل فى سعر ما تريد شراءه ، حتى تتم عملية البيع وفقا لشروط الطرفين .. السياسة كما التجارة ..تخضع لآليات الإحتكار والإفلاس وتعطيش السوق وكل حسب قدرات الدول والأشخاص . فى عقود ماضية كنا غارقين حتى آذاننا فى أوهام ، مثل حرية الصحافة فى الغرب .. بل أكثر من ذلك كنا نظن الصحفيين المشاهير فى الغرب أقرب إلى الأنبياء كلامهم مقدس ، صوت مخلصا لوجه الإنسانية ..هدفهم أنبل من حدود تصوراتنا ، كثيرا ما إتهموننا بالسير فى إطار حكوماتنا ..والسقوط تحت سيطرتها ..عشنا عقودا ندرس لطلاب الإعلام والسياسة أن الإعلام محايد فى الدول الديمقراطية ، حتى سقطت ورقة التوت فى السنوات العشر الأخير ..عقد كامل تتهاوى أمامنا رموز كنا نقدس ..كما الهنود يقدسون أبقارا . لم أكن أتخيل أن كثير من صحف الغرب وقنواته تخضع دوما لأهواء المال والسلطة ..ربما أكثر من سيطرة حكومة كوريا الشمالية على تليفزيون بيونج يانج ..لكن للكذب فنون وأدوات أكثر ابهارا فى الغرب أكثر منها فى بلادنا ..تستطيع ان تجمٌل الكاذب ..بملابس من تصميم فيرساتشى أنيقه ، عكس الملابس المصنوعه فى فيتنام أو كوبا . أبرز فوائد ثورة يناير 2011 أنها أتاحت الكذب ، وألبسته ملابس الصدق ..فمازال مشهد الفلاح البسيط فى ليلة صاخبة على أطراف ميدان التحرير ..وهو يتحدث إلى اسرته فى كفر الشيخ عبر هاتفه المحمول ..هشوف بس هيوزعوا الفلوس ازاى .و"هرجع على طول". وعندما سألته ..كان يحمل بيده اليسرى ورقه عليها خبر مترجم من صحيفه الجارديان البريطانية أن ثروة الرئيس المخلوع مبارك فى بنوك سويسرا تقترب من 70 مليار دولار ..الورقة المصورة من الصحيفة الإنجليزية الشهير ، تشمل ايضا ترجمة ..وكان يتم توزيعها على البسطاء من أهلينا القادمين من الريف والجنوب . بعد سنوات من هذا المشهد ،زرت خلالها كبريات المؤسسات الإعلامية فى الغرب ..لم أجد فارقا كبيرا بين ماحدث فى يناير وقبلها ..وحتى الآن . فى الغرب رأس المال يتحكم فى كل شيء ..السياسة والإعلام وحتى نظم الحكم فى تلك الدول ، ربما هو نظام لايقل عدلا عن الإشتراكية التى عشنا فى رحابها لعقود . هناك من يعمل ليعيش ..ومن لا يعمل عليه انتظار اعانات البطالة غير الدائمة ..فى الغرب تستطيع أن ترى مشردا ينام أمام برج ترامب الفخم فى نيويورك ..لكنها قواعد حياة قاسية ، تستطيع شراء كل شيء بالمال ..وهو اسلوب حياة اختاروه . لكن هل ينطق الإعلام الغربى عن وحى يأتيهم من قواعد عادلة ، هل ينطق عن هوى مالك أو ممول . تستطيع وانت سيء النيه أن تصنع دائرة كذب مغلقة فى الغرب ، مستغلا الحريات التى ينعمون بها .. فقط عليك أن تدفع . مالك أمازون جيفري بريستن بيزوس الذى نجح فى تأسيس أمازون والإنطلاق بها إلى أفاق غير متوقعه من عشرات المستثمرين الذين ألح عليهم بيزوس لمشاركته فكرته الأولى ببيع الكتب عبر الإنترنت ..لكن بيزوس كان من الذكاء مرة أخرى عندما قرر شراء نفوذ فى عالم السياسة وصناعه القرار فى واشنطن عاصمة البلد الأقوى فى العالم ..بيزوس لم يجد صعوبة فى عام 2013 فى تخصيص مبلغ صغير (250 مليون دولار ) بالنسبة لثروته التى تقدر بعشرات المليارات لشراء أشهر صحف العاصمة واكثرها تأثيرا وهي واشنطن بوست التي يرتبط بعض محرريها بمراكز صنع القرار والتأثير فى أمريكا ..فهى التى أسقطت رئيس امريكا بعد فضيحه التجسس على منافسيه .. "ووترجيت" هو اسم لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا أجبرت رئيسها نيكسون،على الإستقاله بعدما ثبت تجسسه على مقر الحزب الديمقراطى أثناء معركة التجديد للرئاسة عام 1972 فتفجرت أزمة سياسية هائلة. ورغم أن الصحيفة تخصص جانبا من عملها لمنطقة الشرق الأوسط إلا أنها لم تضبط يوما متلبسة بكلمة ايجابية واحدة عن مصر على مر العصور ..فكثيرا ما استهدفت الزعيم المخلص لوطنه جمال عبد الناصر ..وحتى الآن لم تكن يوما إلا إلى جانب خصوم بلادنا وأعدائها ..والأمثلة بالآلاف ..فى سنوات حروبنا مع اسرائيل ..كثيرا ما حرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على العمل على استهداف مصر التى تحارب لتحرير أرضها .. تراث طويل من العداء لبلادنا ، ودعم كل أنواع خصومنا ..والسبب كما أرى هو الخضوع لتأثيرات الخصوم ..فواشنطن بوست وغيرها لا تجرؤ يوما على انتقادات واضحة لإسرائيل يوما فاللوبى يسيطر ويهيمن ويمول حملات. مرة واحد ربما التى نشرت واشنطن بوست "إعلانا " مدفوع الأجر بمئات الآلاف من الدولارات دفعها رجال أعمال مصريين بعضهم يعيش هناك لدعم مصر يوم تحررها من قيود تجار الدين وباعه الأوطان . * * * * هذا الاسبوع كانت الانتقادات المعتادة لمصر .. مقال افتتاحى - باهظ التكلفة - باسم فريق التحرير ، نال كالعادة من بلادنا ..والمثير أن المقال او الإفتتاحية هو نسخه منقحة مما كتبته ناشطة تفرغت لدعم الإخوان مقابل آلاف الدولارات التى تتلقاها من قطر شهريا . صناعة الكذب باتت رائجة ، ولها قواعد وعلوم أشبه بالحروب المعنوية لدى الجيوش . قبل أسابيع كان وزير خارجية قطر يلتقى فى إحدى المدن الإيطالية مع الصحفي البريطاني البارز ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست ..كثيرون لا يعرفون حجم التمويل الذى تدفعه قطر للموقع الذى اشترته عبر وسطاء تابعين وأغرقت الكاتب البريطانى الذى اعتاد التسكع بأبواب الحكومات العربية بصفته متخصصا فى شئون الشرق الأوسط ..يتلقى المنح والعطايا ..ويكتب لمن يدفع ..ولأن نظام قطر سفيه الإنفاق ..فلم يجد من ينافسه فى شراء المحللين والصحفيين مثلما تم إفتضاح أمرها فى شبكة سى ان ان ..التى كشفت صحف امريكية عن شراء قطر لأربعة من المحللين المتخصصين فى شئون الأمن القومى وتدفع لهم شهريا مقابل الهجوم على الدول الأربع التى قاطعت إمارة الشر . فى ايطاليا جلس ديفيد هيرست إلى وزير خارجية إمارة الشر يعدد الحملات التى استهدفت مصر والسعودية والإمارات ..هو يقود بعد "رزم "الدولارات ..التى دخلت ايطاليا عبر الحقيبة الدبلوماسية ..وبعد ساعتين من الترتيب للحملات المستقبلية ..غادر الموظف لدى ديفيد هيرست الإجتماع ..ليدخل بعده مراسل صحيفة أمريكية كبرى فى القاهرة ..ولا أعرف سببا أن يذهب مراسل أمريكى لصحيفة أمريكية فى العاصمة المصرية لمقابلة وزير خارجية دولة صغيرة مارقه وداعمة للإرهاب .. ديفيد كيرك باتريك مراسل نيويورك تايمز ..الذى تلقى أموالا من وزير خارجية قطر بشكل مباشر وقام بإيداعها فى حسابه الشخصى فى نفس اليوم بأحد البنوك فى ايطاليا ..كيرك باتريك ..الذى لم يرى فى مصر أى شيئا جيدا يستحق أن يكتبه طيلة سنوات عمله فى القاهرة . صناعه الكذب والترويج له ستستمر لسنوات مقبلة ..فيكفى أن تشترى ضمير صحفى أجنبى مقابل حفنة من الدولارات ثم يتم الترويج عن طريقه في صحيفة شهيرة وتتولى وسائل الإعلام تدويره ..حتى يبقى اقرب إلى الحقيقة فى اذهان المشاهد او مستخدم السوشيال ميديا .. هى دائرة مغلقه يسهل صناعتها ..ويصعب الرد عليها إلا بنفس الطريقة ..فنفى أى خبر او كذبه او شائعه يحتاج مجهود أكبر من صناعة كذبة مضادة . فى سوق الميديا والسياسة تستطيع السيطرة والهيمنة لكثير من لوقت فقط بالأكاذيب ..ليتم بعدها إزهاق ارواح شعوب ..واراقة دماء الملايين وهدم عشرات المدن وتشريد ملايين البشر. بالطبع ليس كل ما يأتى من الغرب سيئا .. لكن علينا صناعه الرد الإستباقى ..وألا نستمر نحن رد فعل فقط .