داخل النفق الجنوبي من غرب الإسماعيلية إلي شرق القناة، وقفت أمام لوحة إرشادية تقول: »هنا بداية القناة القديمة»، كنت أسفل سطح البحر المالح بسبعين مترًا، وتحت قاع القناة بستة عشر مترا، مر الوقت سريعًا وأنا في نفق من صنع البشر، معجزة هندسية مصرية وطنية بكل المقاييس العالمية، حاجة تفرح القلب الحزين. بالسيارة قطعت المسافة من الضفة الغربية إلي الضفة الشرقية في ثلث ساعة، منها عشر دقائق داخل النفق، قطعت 4800 متر في عشر دقائق بسرعة 60 كيلو مترًا في الساعة، وعشر دقائق أخري من المدخل إلي المخرج لأقف مدهوشًا علي الضفة الشرقية للقناة، يااااه علي عظمة الإنجاز، عظمة علي عظمة يا مصر. قصة الأنفاق يرويها شباب يتوثب حماسا ليوم الافتتاح القريب، شباب قضي ثلاث سنوات من عمره يحفر بأظافره في الصخور من الضفة إلي الضفة، شباب غير الذين نراهم لاهين في الطرقات، وعلي المقاهي في أنصاص الليالي، شباب ذاق حلاوة الانتصار علي الطبيعة. عاشوا في الأنفاق شهورا طويلا، وجمعهم الحلم، الذي ظنه البعض مستحيلا، فصار الحلم واقعًا، وهم ينظرون بفخر إلي ما صنعت أيديهم، ويتحاكون عن الحلم، وأيام البرد والحر، وليالي الدم والدمع والدموع، شباب قهروا المستحيل، وطوعوا بطن الجبل، وحفروا لمصر مجدا ستعيشه الأجيال. قبل النزول إلي النفق وقفت أتخيل، وقبل الخروج خشيت أنني أحلم، الضوء في ضفة القناة هناك يبزغ فجرا، وما الفجر كان منهم ببعيد، يتذكرون هنا يوم جاءت كتائب التعمير في الهيئة الهندسية تخطط وتعبد الطريق إلي الأنفاق، كيف استقدمت شباب أربع شركات وطنية، كيف وقف القادة وسط الجنود، جيشا ومدنيين، وقصوا عليهم الحلم، حلم شعب اشتاق لسيناء الحبيبة يضمها إلي أحضان الوطن. كان حلما، أربعة أنفاق، في غرب الإسماعيلية، وشرق بورسعيد، رايح جاي، من وإلي سيناء، سيناء باتت قريبة قوي، وفي الحلم بقية بنفق في السويس، وخط قطار إلي وسط سيناء، لسه الأحلام ممكنة، ويوم الافتتاح الرسمي سيشهد الشعب عجبا، سيعجب من شبابه استطاعوا تحقيق المستحيل، هذا الجيل العظيم حقق حلما راود الأجيال، وتأخر عقودا، ورحلت أجيال النصر تتمني عبورا آمنا وميسورا إلي أرض البطولات. ما أتاه المصريون في حفر أنفاق قناة السويس يضارع ما أتاه المصريون في حفر قناة السويس قديما وحديثا، ويمر من تحتها سريعاً، يستحق الإنجاز خلودا في قصائد مغناة، الله يرحم الخال عبد الرحمن الأبنودي،ماكان ليمررها دون أن يشدو بالقصيد، ولكن منين نجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه. الوصف لايفي، والحكي لا يغني، وليس من سمع كمن رأي، وليس من رأي كمن عايش حفر الأنفاق لحظة بلحظة، هؤلاء الجند المجندة في حفر الأنفاق يستحقون تحية هذا الشعب الصابر، تحية لمن جعلوا الحلم حقيقة، وإجلالا لأرواح تاقت فاستحقت، وحلمت فأنجزت، وهاهي الأنفاق شاهد علي إعجاز جيل يستحق تكريما رئاسيا منتظر إن شاء الله.