في عام 2015 ألقي الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال فيها: كم من أبناء الدول التي تعاني ويلات الإرهاب ينبغي أن تراق دماؤهم.. حتي يبصر المجتمع الدولي حقيقة ذلك الوباء الذي تقف مصر في طليعة الدول الإسلامية.. وفي خط الدفاع الأول في مواجهته.. وأنه لا بديل عن التضامن بين البشر جميعا.. لدحره في كل مكان؟.. ومنذ ذلك الوقت والعالم يشهد حوادث إرهابية يتم إلصاقها بالجماعات المحسوبة علي الإسلام ظلما وعدوانا.. وللأسف يتم تعميم التوصيف للممارسات الإرهابية المتطرفة ويتحمل الإسلام أوزار قوم ممن لا يفهمون سماحته ولا وسطيته واعتداله وقبوله الآخر والتعايش معه وحماية معتقداته وشعائره. ولم تخل مناسبة دينية يتحدث فيها الرئيس السيسي إلا ويطلق تحذيرات بضرورة محاصرة الإرهاب دوليا وتجفيف منابعه.. وتشكيل تحالف دولي للقضاء عليه.. لكن العالم الغربي لا يعرف سوي لغة المصالح الشخصية.. ويؤمن بنظرية السلامة الفردية.. وتتسابق أجهزة الإعلام الغربي في تغطية وتحليل وتفسير وتبرير ما يجري في دول الشرق وغالبا ما تُلقي باللائمة علي حكومات تلك الدول، ولديها من المنظمات ما يساعدها علي تشويه صورة دول تدفع من دم أبنائها المئات.. ومن اقتصادها المليارات.. ومن أمنها ما لا يمكن تقديره بمال.. وذلك كله بسبب مواجهات الإرهاب البغيضة. انتفض الغرب بسبب حادثة شارلي إبيدو الفرنسية وشاركه الشرق في تلك الانتفاضة إيمانا من الشرق بحرمة النفس الإنسانية.. وتسارعت الأبواق الإعلامية الغربية في وصف الحادث بالإرهاب الإسلامي.. وكان الدافع في محاصرة الإسلام بصفة الإرهاب كون الضحايا من غير المسلمين.. وهذا تحليل مغلوط لكونه يُحمِّل الأديان ممارسات الأفراد.. لكن تأثر الإعلاميين الغربيين بأفكار فوكاياما عن صراع الحضارات وتصادمها جعلهم في يقين بأن الإسلام دين إرهاب.. وحاول أئمة ومفكرو العالم الإسلامي الدفاع عن الإسلام قدر طاقتهم.. لكن المد الإعلامي الغربي كان جارفا.. وجرت في النهر مياه كثيرة من اعتداءات فردية وحوادث دهس لعشرات المسلمين في ميادين عامة.. وفي تلك الحوادث يخرج الغرب علي استحياء يندد ويشجب فقط.. ومن الميادين إلي المساجد.. وقعت الواقعة في نيوزيلندا بهجوم وحشي علي الآمنين في مساجدهم الذين لم ترتكب أيديهم شيئا سوي أنهم يعبدون ربهم في بيته.. ورغم هذا ولم نجد مفكرا ولا إعلاميا إسلاميا يصف تلك الحادثة بإرهاب ديني.. ليقين المسلمين الثابت أن الأديان بريئة من سفك الدماء أو انتهاك المقدسات. إن حادث نيوزيلندا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العنصرية الممزوجة بأفعال إرهابية تتنوع ضحاياها المستهدفين ما بين مسلمين تارة.. وغير مسلمين تارة أخري، وبين عسكريين مرات.. ومدنيين مرات عديدة. حادثة نيوزيلندا تفرض علي دول الغرب تعظيم قيم المواطنة داخليًا.. وتدعيم مبادئ الإخاء والتسامح.. وتنشيط أجهزة محاربة الإسلاموفوبيا.. فالعالم في أزمة كبري.. فاغتيال المصلين علي أعتاب الكنائس أو داخل المساجد أضحي بمثابة تحدٍ يستلزم علي الدول الغربية مجابهته في ظل تنامي اليمين العنصري المتطرف.. وتفعيل إستراتيجية الأممالمتحدة في مكافة الإرهاب بالامتناع عن تنظيم أنشطة إرهابية أو التحريض عليها أو تيسيرها أو المشاركة فيها أو تمويلها أو التهاون إزاءها.. مع اتخاذ تدابير عملية مناسبة تكفل عدم استخدام أراضي الدول في إقامة منشآت أو معسكرات تدريب إرهابية.. أو تدبير أو تنظيم أعمال إرهابية ترتكب ضد دول أخري أو ضد مواطنيها. لا يمكن وصف المسيحية بالإرهاب.. فالمسيح ابن مريم جاء برسالة المودة والرحمة.. رسالة قوامها : أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ.. وبَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ.. وأَحْسِنُوا إِلَي مُبْغِضِيكُمْ.. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.. كما لا يمكن أن نلقي بهذا الوصف القبيح علي الإسلام الذي تتفق شريعته علي أن الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه.. وأن حرمة دم الإنسان أعظم عند الله من حرمة البيت الحرام.. ورغم كل هذه السماحة التي تفيض بها شرائع الأديان السماوية نجد تطرفا من أشخاص ينتمون لشرائع الهوي النفسي وينفذون أجندات هدفها إشاعة الفوضي علي جثث الأبرياء ودماء الضحايا.. الذين لا ذنب لهم سوي أنهم يعيشون وسط أشخاص غابت ضمائرهم.. وماتت قلوبهم.. فاستهانوا بالدماء والحرمات.. وإذا لم يستمع العالم لرؤية مصر التي أطلقها الرئيس السيسي منذ سنوات.. فسيظل الإرهاب يتمدد ويتوسع حتي يأكل ثمار العالم الحضارية التي يتفاخر بها.. ووقتها لن يجدِ شجبا ولا إدانة.. ولا بكاء علي اللبن المسكوب. • عضو مجمع البحوث الإسلامية