عالم الصوفية مليء بالأسرار كما قال لي الراحل الدكتور أبوالوفا التفتازاني أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ورئيس الطرق الصوفية الأسبق: »التصوف الإسلامي يمثل روحانية الإسلام الصافية، ونحن في حاجة إلي جرعة روحية في مواجهة المذاهب المادية التي تقرر أنه ليس في العالم إلا المادة وقوانينها وتطورها».. وقد قرأت كثيرا عن عالم التصوف، وناقشت الدكتور التفتازاني كثيرا حول التصوف وأهميته ومحاذيره أيضا.. فقد سألته مثلا هل التصوف نزعة روحية أو نزعة فلسفية؟ يومها قال لي ما ملخصه: »التصوف الإسلامي نزعة روحية لأنه يتجه أساسا إلي مخاطبة القلوب وتصحيح أعمالها.. فهو تخلق وسلوك».. والتخلق يقتضي تصحيح النيات الباعثة علي الأعمال بحيث تأتي هذه الأعمال محققة لمعني الإخلاص.. يقول الله تعالي: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).. ويقتضي التخلق كذلك محاسبة النفس وتخليها عن الحق والحسد والغيرة والنميمة والرياء والنفاق والكذب والكبر والعجب وغير ذلك. وهذا من أعمال القلوب.. وغاية الطريق إلي الله عند الصوفية التحقق بمعرفة الله وحبه الذي هو مصدر كل طاعة، وقد جعل الله محبته مصدرا لكل الخير ولكل طاعة في قوله تعالي: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) وقد جعل الصوفية بوابة الطريق إلي الله مجاهدة النفس وغاية التصوف معرفة الله، وبين المجاهدة والمعرفة ينتقل الصوفية فيما يعرف عندهم بالمقامات والأحوال. فالمقامات كالقوية والزهد والصبر والرضا والتوكل والصدق واليقين ومحبة الله ورسوله.. والأحوال كالأنس بالله، والهيبة منه والقبض والبسط والخوف والرجاء.. والمقامات والأحوال هي مظهر الترقي الروحي للسالك لطريق الله حتي يصل إلي درجة العرفان بالله في تجربة دينية ذوقية أساسها المعاناة الحقيقة، ولذلك قال الصوفية: من ذاق عرف، ولعلهم استخدموا كلمة الذوق من حديث الرسول: ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا.