تحية واجبة وصادقة أوجهها لكل مصري أصيل مسلما كان أو مسيحيا، أوجهها في شخص الشهيدين الوطنيين إسلام مشهور وأبانوب رضا. شاهدنا جانبا من سيرة الشهيدين البطلين إسلام وأبانوب في الندوة التثقيفية التي أقامتها القوات المسلحة المصرية بمناسبة يوم الشهيد، لم أفرق في تقديري وشعوري الإنساني بين إسلام وأبانوب، ولا بين أسرة إسلام وأسرة أبانوب، الجميع عظماء، الجميع مصريون أصلاء، الجميع أدهشوني بإيمانهم ووطنيتهم، برضاهم بقضاء الله تعالي وقدره، بأملهم في رحمة الله (عز وجل)، بعطائهم الوطني، بهذه الروح التي تبني الأوطان، وتصنع الأمجاد، الوطن لنا جميعا، وبنا جميعا، فالمواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات والتضحيات حائط صد منيع أمام كل قوي الإرهاب والشر واستهداف الوطن. لنا أن نفخر بما تحقق من إنجاز علي صعيد الدولة المصرية في ترسيخ أسس المواطنة وفقه العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، مما يعد أنموذجًا لما نؤمن به من العمل علي ترسيخ أسس العيش الإنساني المشترك بين البشرية جمعاء، دون تفرقة علي أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق، مؤمنين بحق الإنسان في الحياة الكريمة كونه إنسانا لا غير، فقد كرم الإسلام الإنسان علي إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر، حيث يقول الحق سبحانه: » وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ »، فالإنسان بنيان الرب من هدمه فقد هدم بنيانه (عز وجل)، فمن قتل نفسًا أي نفس بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا، حيث يقول الحق سبحانه : » أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا » (المائدة : 32). وعلينا أن نعمل في ظل المشتركات الإنسانية والوطنية، من إعلاء قيم العدل، والتسامح، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، والصدق في الأقوال والأفعال، وبر الوالدين، وحرمة مال اليتيم، ومراعاة حق الجوار، والكلمة الطيبة، فمصدر الشرائع السماوية واحد، ولهذا قال نبينا () : » الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتي ودينهم واحد». ولما نزلت الوصايا العشر في أواخر سورة الأنعام في قوله تعالي : »قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الأنعام : 151، 152)، قال سيدنا عبد الله بن عباس () : هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وهي محرمات علي بني آدم جميعًا، وهن أم الكتاب » أي أصله وأساسه »، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار. فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسًا للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع أو ملة من الملل.