خرجت من بيتي في التاسعة صباحاً مسافراً من القاهرة لدمنهور. وعدت بعد منتصف الليل. مررت بتجربة السفر نهاراً وليلاً. رأيت الطريق في رابعة النهار. وعدت منه في ظلام الليل. لذلك أكتب عن الطريق -ليست المرة الأولي وأتمني أن تكون الأخيرة -لأن حالته لم تعجبني. ويحتاج لكثير من العناية والاهتمام أكثر، ليقول وداعاً لوضعه الراهن. ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع ربط العمران بالطرق. في مقدمته الشهيرة. واعتبر أن الطرق السلسة من علامات الحضارة. قال هذا عندما كانت الطرق تسير فيها الجمال والحمير والبغال والأحصنة. وليست السيارات بأنواعها المختلفة. كانت الأوضاع أسهل. والآن الأوضاع أصعب. لذلك فإن العناية بالطرق لا تقل أهمية عن العناية بالأماكن التي نحيا فيها. فالطريق يوصل أوصال الوطن ببعضها. ويربط بين القلب والأطراف. ويحقق حلم الحضارة المستحيل. الطرق تنشط فكرة التواصل الإنساني. ولا يمكن إغفال بعدها الاقتصادي. من خلالها تنقل البضائع والتجارة. تصبح الناس قادرة علي قضاء مصالحها. وغيابها أو سوء حالتها أو عدم القدرة علي استخدامها يعود بنا إلي عصور الغابة. ويجب ألا ننسي أن المدن نشأت تاريخياً عند نهايات الطرق التي نقلت نتاجات القري لسكان المدن وأقامت علاقة بين القرية المنتجة والمدينة المستهلِكة. وهي العلاقة الظالمة التي مازالت مستمرة حتي الآن. رغم أن القرية المنتجة توشك أن تقول لنا وداعاً وتترك لنا كتابة وصيتها. الطريق الزراعي يمر عبر أكثر من محافظة. ولا أدري هل توجد إدارة واحدة تشرف عليه؟ أم أن كل محافظة تتولي الطريق في حدودها؟ سافرت من القاهرة للإسكندرية بالطريق الزراعي. ولم أكن قادراً علي العودة منه. فعدت عن الطريق الصحراوي. لأكتشف أن مصر تعامل الطريق الزراعي معاملة ابن البطة السوداء. لأن في الطريق الصحراوي مشروعات كثيرة لم تكتمل لعمل كباري للعبور. وإنشاء أسوار حوله. مع أن الطريق يعني وجود الدولة التي تدفع بحالة من الاطمئنان للإنسان العادي. ووجود رجل الشرطة يعني أن مصر حاضرة بكل ما تحمله من دلالات ومعانٍ وحضارة وذكريات. وإن كان وجوده في المدن ضرورة. فرؤيته في الطرق حتمية. خدمات الدولة، شرطة وإسعاف ومطافي ممتازة. لكن خدمات القطاع الخاص من مطاعم وكافيتريات واستراحات مأساة بكل المقاييس. من باب التجاوز أن نقول طريق مصر إسكندرية الزراعي. تمييزاً له عن الصحراوي. تراجعت الغيطان والأشجار والحياة اليومية للناس. واحتلت الطريق محلات ومقاهٍ بدائية أكثر من أن يحصيها العد. ولأهمية الطريق أرجو أن نعتبره أحد روافد الحياة في مصر. ليكن لدينا الطريق الصحراوي. والطرق الجديدة التي تقيمها الدولة المصرية مشكورة. لكن مصر إسكندرية جزء من تاريخ حركة الانتقال في مصر منذ نشأته وحتي الآن. ويجب أن يظل هكذا حتي آخر الساعة. عنوان المقال مبتور. مبتدأ يفتقد خبره. لم أجرؤ إكمال العنوان وأقول: طريق مصر الإسكندرية الزراعي. كما أنني لست من المتشائمين. فلم أكتب طريق مصر إسكندرية المهجور. علينا الاهتمام بالطرق مثل اهتمامنا ببيوتنا. فربما كانت أكثر أهمية من البيوت التي نحيا فيها.