»الله خفي من فرط ظهوره» كلمة مضيئة رائعة قرأتها للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي علي أساس أن الله هو الحق المطلق. وقد توقفت عند هذه العبارة الدالة أمامك من خلال النظر الفعلي حينا، ومن خلال الرؤي الصوفية حينا آخر وقد أعجبتني هذه العبارة التي إن دلت فإنما تدل علي حقيقة لا مراء فيها: أن الله موجود، وأنه شديد الظهور، ومن شدة هذا الظهور فهو خفي. سألت أستاذنا الدكتور زكي نجيب محمود عن مغزي ومعني هذه العبارة. يومها قال لي: إننا نقر ابن عربي علي هذا القول، لكننا لكي نفهم القول لابد من إلقاء ضوء يوضحه فالله سبحانه وتعالي كائن في مخلوقاته.. أي أنه يتجلي في كل ما هو كائن في الوجود، وابن عربي يريد بهذا القول أن يقول: إننا إذا أدرنا حواسنا من بصر وسمع وغيرهما فيما حولنا فقد نقول لأنفسنا.. إننا لا نجد فيما حولنا إلا هذه الظواهر كالهواء والماء والنبات والحيوان والشمس والقمر والنجوم إلي آخر ما نري ونسمع ونحس. ولكننا إذا ما أدرنا انتباهنا إلي بواطن نفوسنا وجدنا أن هذه الأشياء نفسها، وأن كل نبضة في بواطن أنفسنا تذكرنا بأن هذه كلها تجليات يتبدي فيها الذي أبدعها وسواها، ومن هنا قال ابن عربي قولته: بالرغم من أنه ظاهر في كل شيء فهو مستتر في كل شيء. وأذكر أنني قمت بحوارات طويلة مع الدكتور مصطفي محمود حول رؤاه بعد رحلة الشك التي انتابته.. ومن أقواله لي: أريد أن أقول حينما عدت إلي الله خاشعا متذللا متوسلا راكعا ساجدا، أكرمني الله بالكثير من الفتح القلبي مما اعتبره نوعا من البشائر علي الطريق. ويبدو أن هناك قانونا من الخصوصيات التي أسعد بها كثيرا وأشكر الله عليها . وهذه مسائل لا يعرفها إلا الذي ذاق مشقة السفر، وهذا مصداق للآية الكريمة: (والذين هاجروا فينا لنهدينهم سبلنا) وما أجمل الرجوع إلي الله، والإنابة إليه، ليكون ملاذنا الذي نلوذ به عندما نمد أيدينا بالدعاء ليهدينا سواء السبيل.. من أقوالهم: وأجلس وحدي للعبادة آمنا أقر لعيني من جليس أحاذره الإمام الشافعي