جاء في الحديث النبوي »إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، أي أن التجديد سنة إسلامية دائمة. وقد نشأ بناءً علي هذا الحديث فرع من فروع البحث في التراث الإسلامي، يختص بالتجديد والمجددين. وقد عرف السابقون التجديد بأنه »إحياء السنة وإماتة البدعة» وعرفوا المجدد بأنه الذي »يبين السنة من البدعة، ويكثر العلم ويعز أهله، ويقمع البدعة ويكسر أهلها» لكني أري أن هذا التعريف لا يفي بحقيقة التجديد، لأن بعض التجديدات لا تحيي السنة، بل قد تخالفها نظراً لظروف العصر. ولنأخذ علي ذلك أمثلة من رجل ليس محل اتهام في دينه، وهو عمر بن الخطاب. في عام الرمادة (المجاعة) عطل عمر حد السرقة، كما أوقف رضي الله عنه العمل ببند المؤلفة قلوبهم الوارد في الآية الكريمة الخاصة بمصارف الزكاة، ويقصد به أن يدفع المسلمون شيئاً من المال ليتألفوا به قلوب من يُخشي بأسهم علي الإسلام. وكان النبي صلي الله عليه وسلم يدفع لبعض الناس ومنهم أبو سفيان، فلما تولي عمر جاءه أبو سفيان يطلب ما تعود عليه، فقال له عمر: إن الله أعز الإسلام. ورفض أن يعطيه شيئاً. لم يكتف عمر بهذا فقد أشار علي أبي بكر بجمع القرآن، ولم يكن الرسول قد جمعه في حياته، وقد لقي اعتراضاً ومقاومة من بعض معاصريه، وأولهم أبو بكر لولا أنه استطاع أن يقنعه بأهمية الجمع، كذلك عارضه زيد بن ثابت حين طلب منه أن يتولي مهمة الجمع، وقال زيد له ولأبي بكر »كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله ؟» لكنهما استطاعا أن يقنعاه بالمهمة. ومما فعله عمر أيضاً أنه لم يوزع الغنائم طبقاً للنظام الذي كان متبعاً في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم، والذي حددته سورة الأنفال، بأن يكون خمس الغنائم لله ورسوله وذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل، أما الأربعة أخماس الباقية فتكون للمجاهدين، فحين فتح الله علي المسلمين أرض العراق والشام ومصر، رأي عمر أن إعطاء أربعة أخماس أراضي هذه البلاد للفاتحين معناه أن يبقي أهلها فقراء طول الزمن، فأمر أن تبقي الأرض بأيدي أصحابها وأن يؤخذ منهم الخراج فقط. ما سبق كله له معني واحد : أن التجديد ليس فقط إحياء السنة وإماتة البدعة، بل قد يكون استنباط حكم فقهي يناسب المجتمع والعصر ويراعي مصلحة الأمة، لذلك أقترح توسيع مفهوم التجديد بحيث يشمل استنباط أحكام فقهية تناسب المجتمع والعصر.