كانت المرة الأولي التي أذهب فيها لدار سينما. وهي من أمتع لحظات العمر. مشاهدة الفيلم تعني أن تكون في سينما. حولك صالة مظلمة تلمع ببريق الأعين. طقس اجتماعي لا يمكن أن تشعر به عند مشاهدة فيلم في التليفزيون. توقفت عنها بسبب عارض صحي أصاب قدمي. ولولا تشجيع ابنتي رباب وحفيدتي أمينة ما ذهبت. كعادتهما شاهدتا فيلماً أجنبياً توسعت وكالات الأنباء في نشر إيراداته علي الطريقة الغربية. التي تجعلنا نفعل ما يريدون منا. مدير السينما هو الذي اقترح عليَّ أن أشاهد فيلم 122، لا أخجل عندما أقول لم أكن قد سمعت عنه. ودخلته بعد أن قيل لي إنه يشهد أكبر إقبال في الدار. لدرجة أنهم فتحوا قاعة أخري بسبب زحام المشاهدين. الفيلم من إخراج ياسر الياسري، مخرج عراقي عائد من أوروبا. وكتبه صلاح الجهيني، وله من قبل فيلم: أولاد رزق. بطولة طارق لطفي، أمينة خليل، أحمد داوود، أحمد الفيشاوي، محمد ممدوح، صبري عبد المنعم، محمد لطفي. أبطال الفيلم - أو الذين ليسوا أبطالاً - عددهم لا يكمل أصابع اليد الواحدة. يتناقصون بسبب القتل. فلا يبقي معنا في النهاية سوي البطل والبطلة. يربطهما زواج شفهي. لا أمل ولا عمل ولا حلم. لكن الزوجة الشابة حامل. والطريق الذي تسير فيه السيارة بهما مهجور ولا يوجد فيه سواهما. بعد الحادث يتجهان لمستشفي. ومن سخريات الفيلم أن اسمها مستشفي الحياة. ويبدآن رحلة مقاومة الموت. المستشفي مهجور. لا يوجد فيه مريض. غابة من الأجهزة. والدكتور - لعب دوره بمهارة طارق لطفي - يسرق أعضاء المرضي ويهربها خارج مصر. نجد الموت علي دفعات. الموت ثم العودة مرة أخري للحياة. الموت الذي ليس موتاً. بل ربما كان فناء. وعندما يفاجأ الطبيب سارق الأعضاء بوصول سيارة الشرطة للمستشفي يصاب بالذهول. لكن ذهوله ينتقل إلينا نحن المشاهدين عندما نكتشف أن الضابط جاء ليحصل علي دواء للعاملين في نقطة الشرطة. لأنهم أصيبوا بالتسمم. يقول له لدينا حقن مهمة. لكنه لا يعطيه سوي أقراص لا يدري أحد إن كانت علاجاً أم لا؟. ولحظتها ندرك سخرية عنوان الفيلم. رقم التليفون الذي نلجأ إليه عندما نكون في أصعب المواقف. لا يمكن تلخيص فيلم أتمني أن يشاهده كل الناس. لكني تذكرت عندما كنت أعيش لذة مشاهدته مسرحيات صمويل بكيت، ويوجين أونسكو، وأرتور أدموف. سميناها مسرح اللا معقول أو العبث. عرفته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. والهول الأعظم الذي عاشته خلاله. حيث لا نجد بشراً ولا زحام الحياة اليومية. وعزل الأحداث عن الواقع الاجتماعي. أنت أمام لا زمان. لا مكان. لا خلفية سياسية. لكنك تلقي نظرة علي ما يمكن أن ينتظرنا جميعاً. السينما المصرية يمكن أن تمرض. ولكنها لا يمكن أن تموت. هذا كان انطباعي لحظة خروجي من دار العرض وسط زحام غير عادي من المشاهدين الذين كانوا شباباً. وكلما ازدادت أحداث الفيلم مأساوية كانوا يقابلون المأساة بالضحك الشديد. مما أشعرني بشيخوختي. وجعلني أتوقف طويلاً أمام فكرة الأجيال والاختلاف بينهم في كل شيء.