قبل أيام قليلة حلت الذكري ال 29 لرحيل الأديب الأيرلندي ذائع الصيت، وأحد أكبر رموز مسرح العبث، صمويل بيكت (1906 1989).. ربما كثير من الناس لا يعرفون أن هذا الأديب العظيم الذي يزين اسمه قائمة جائزة نوبل هو مبدع واحدة من أشهر العبارات التي ظهرت في القرن العشرين: »في انتظار جودو»، إذ أن هذه الكلمات هي عنوان واحدة من أهم منتجات الإبداع الأدبي في القرن الماضي. لقد صارت الكلمات الثلاث تلك منذ عقود طويلة الأكثر شيوعا وجريانا علي ألسنة جمهرة المثقفين ومدعي الثقافة علي السواء، وهؤلاء الأخيرون أرجح أنهم لم يقرأوا حرفا واحدا من المسرحية المعنونة بها، ولا هم بالطبع شاهدوا أيا من عروضها علي خشبة أي مسرح، ومع ذلك فهذه الكلمات تكاد تكون حاليا مضغة في أفواه عدد لا يحصي من الناس ينطقون بها كحكمة عميقة وأمثولة قوية الدلالة من شأنها اختصار كلام كثير يحتاج المرء أن يقوله في مناسبات ومواقف عبثية تحتل فيها الأوهام والأكاذيب مكان الحقائق. إذن، تعال عزيزي القارئ نحتفي بذكري هذا الأديب البارز، بعرض مختصر (مخل طبعا) لمسرحية »في انتظار جودو»، إذ ترقد بين سطورها كل المعاني التي لا نستطيع أحيانا البوح بها بما في ذلك معني »العبث» و»انتظار» ما لا يأتي. وابتداء فقد أنجز بيكيت هذه المسرحية ونشرها عام 1947 بينما بلدان الغرب الأوروبي ماتزال مجتمعاتها تعيش آثار عذابات ومآسي سنوات الجمر الطويلة التي انتهت بحرب رهيبة (الحرب العالمية الثانية) كلفت البشرية أكثر من 80 مليون إنسان ماتوا لكي يتحقق الخلاص من حركات وعصابات نازية وفاشية كانت قد قفزت إلي الحكم في ألمانيا وإيطاليا وسواهما.. عبر صناديق الانتخاب.. تماما كما حدث عندنا بعد ثورة 25 يناير. في هذه المسرحية التي استعان صمويل بكيت في بنائها بمساحات صمت طويلة وجمل حوارية قصيرة ومبهمة جدا لكي ينقل للنظارة شعور القلق والعبث، فإن دور البطولة معقود لشخصين اثنين فقط أحدهما يدعي »فلاديمير» والثاني »استراجون»، ولا يقول لنا النص شيئا عنهما ولا من هو »جودو» هذا الذي ينتظرانه بغير جدوي ولا سبب.. فقط نتابع طوال العرض حوارا غريبا يدور بين الإثنين من نوع: استراجون: هيا نذهب.. فلاديمير: لا نستطيع.. استراجون: لماذا؟! فلاديمير: لأننا ننتظر جودو.. استراجون (بيأس): آه.. هل أنت متأكد أن هنا مكان اللقاء؟ فلاديمير: ماذا؟ استراجون: يجب أن ننتظر هنا.. فلاديمير: قال لي قرب الشجرة.. استراجون: شجرة ماذا؟ فلاديمير: صفصافة.. لا أعرف. استراجون: أين أوراق الشجرة؟ فلاديمير: لابد أنها ميتة. استراجون: تبدو لي أقرب لشجيرة.. فلاديمير: عشبة.. استراجون: شجيرة. فلاديمير: ماذا تريد أن تصل؟ هل نحن في المكان الخطأ؟! استراجون: يجب أن يكون هنا.. فلاديمير: لم يقل إنه بالتأكيد سيأتي.. استراجون: طيب، وإذا لم يأت؟ فلاديمير: أبدا، سنرجع غدا.. استراجون: ثم بعد غد. فلاديمير: ربما.. علي هذا النحو تمضي المسرحية.. يوما خلف يوم و»جودو» يَعد في رسائل ينقلها فتي صغير بأنه سيأتي غدا.. لكنه لا يحقق وعده أبدا، وينزل ستار النهاية بينما استراجون وفلاديمير ينتظران.