منذ بضعة اشهر والحديث يدور في إسرائيل عن ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، لم يكن أحد هناك مقتنعا بأن الحكومة الحالية قادرة علي الصمود حتي الموعد الطبيعي للانتخابات في نوفمبر 2019. لم يكن السؤال المطروح هل ؟ إنما متي تجري الانتخابات المبكرة؟ استقالة وزير الدفاع اڤيجدور ليبرمان علي خلفية الاحتجاج علي قرار وقف اطلاق النار مع حركة حماس والقبول بنقل أموال قطرية إلي قطاع غزة لسداد رواتب الموظفين هي التي عجلت بالأمر. كان يمكن لنتنياهو ان يتفادي الوصول إلي نقطة الانتخابات المبكرة لو انه قبل بتعيين نفتالي بنيت وزير التعليم زعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف وزيراً للدفاع خلفاً لليبرمان. بذلك كان بمقدوره إنقاذ حكومته وتسيير دفتها لمدة أطول قليلا لكن هذا القرار كان ينطوي علي خطورة تشكيل حكومة يمينية ضيقة تحظي بأغلبية ضئيلة جدا قوامها مقعد واحد فقط بعد انسحاب حزب اسرائيل بيتنا الذي يتزعمه الوزير المستقيل. الخطورة في مثل هذه الحكومة ان الأحزاب المتشددة يمكنها أن تبتز نتنياهو وتطالبه كل يوم بسداد فاتورة إطالتها أمد الحكومة فتقع رقبة الحكومة بأسرها تحت رحمة تلك الأحزاب التي يمكن لأصغر حزب فيها أن يهدد بقاء الحكومة لو انسحب بدوره منها. مع هذا يري بعض المعلقين الإسرائيليين ان نتنياهو سيفعل ما بوسعه لإرجاء موعد الانتخابات المبكرة، فلديه بعض المهام التي عليه إنجازها قبل حل الكنيست واستقالة الحكومة الحالية وتحولها إلي حكومة تسيير أعمال مؤقتة لايمكنها اصدار القرارات المصيرية من قبيل تعيين رئيس الأركان وقائد الشرطة الجديدين، أو إجراء بعض التعديلات علي قانون الانتخابات الساري حالياً بتخفيض نسبة الحسم التي تمكن الأحزاب من دخول البرلمان. كما يرغب نتنياهو. لقد ألمح بعض المحللين الإسرائيليين ان نتنياهو يرغب في إجراء هذا التعديل لضمان حصول الليكود علي أغلبية مقاعد الكنيست وتشكيل الحكومة الجديدة نظراً لخوفه من انكماش شعبية حزبه. يري البعض ان نتنياهو يجب ان يكون ممتنا لليبرمان لأنه عجّل بالانتخابات قبل ان يضيع رصيده كله الآخذ في التآكل منذ فترة. فرئيس الوزراء محاط بكم من المشاكل الداخلية والفضائح والتحقيقات القضائية الكفيلة بالإجهاز علي منصبه، لكنه كان قادرا في كل الأحوال علي تجاوز كل هذه التعقيدات بفضل سياسته الاقتصادية القوية التي يمكن ان تشفع له عند جمهور الناخبين. المشكلة الآن أن موضوع أسلوب التعامل مع حماس هو آخر ماكان يتمني ان يصبح موضوعا للمنافسة في الانتخابات. ولاهو نمط القضايا التي يود ان تحتل مركز النقاش الانتخابي. حالياً تبدو الصورة وكأن نتنياهو ضحي بحكومته من أجل خاطر التهدئة مع حماس، وأنه يفضل إجراء انتخابات مبكرة الآن عن الوقوع في براثن أحزاب يمكنها ان تحذو حذو ليبرمان في رفض التهدئة مع الحركة كما أن مسألة التعامل مع حماس ليست موضوعاً جماهيريا بالقدر الذي يستطيع به نتنياهو سلب عقول وقلوب مستمعيه في حملته الانتخابية. وإذا كان يروج لنفسه بأنه »سيد الأمن» أو »مستر سيكيوريتي» القادر علي توفير الهدوء لسكان اسرائيل، ويدافع عبر هذه الصورة عن اتفاقه مع حماس علي وقف اطلاق النار فمن المؤكد انه وضع مصيره السياسي في يد حركة حماس. فلو نجحت الهدنة وشعر سكان اسرائيل ببعض الأمان فقد نجح نتنياهو ونجا من ازمته الحالية، أما لو تواصلت القذائف الفلسطينية وشعر الإسرائيليون بعدم جدوي اتفاقاته ساعتها سينفضون من حوله ويقتنعون بصواب وجهة نظر وزير الدفاع المستقيل. وتتشكل حكومة بطعم ليبرمان تدك الأرض والبنية التحتية في القطاع.