في الصراع الكوني بين إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب والنظام الإيراني، والقرار الاخير بتشديد العقوبات الاقتصادية علي الاخير، هناك تفاصيل كثيرة حول مدي تأثير تلك العقوبات علي الاقتصاد الإيراني، وعلي الشعب الذي يدفع ثمن اخطاء نظامه، والاستثناءات التي وافقت عليها واشنطن لاستمرار ضخ البترول الإيراني لعدد من الدول، وكيفية والاجراءات التي ستتخذها طهران للتهرب من تلك العقوبات، واستمرارها في بيع النفط، ولكن ما يهمني هنا كعربي، سؤال جوهري: هل ستستفيد المنطقة العربية من تشديد العقوبات علي ايران؟ وهل سيتراجع التدخل الإيراني في الشأن العربي؟ الممتد عبر العديد من الساحات، اللبنانية، والسورية، واليمنية، والعراقية، وفِي مملكة البحرين. وقد لا يعرف الكثيرون ان هناك تأصيلا وتضمينا لفكرة التدخل الإيراني، في العديد من الدول سواء العربية او غيرها في الدستور الإيراني، في طبعته الاولي عام 1979 والمعدلة عام 1989، والذي يجيز شرعية التدخل، حيث تنص المادة الثانية عشرة من الدستور المعدل علي الآتي »ان جيش الجمهورية الاسلامية وقوات الحرس الثوري، لا يتحملان فقط مسئولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضا بحمل رسالة عقائدية للجهاد في سبيل الله، والنضال من اجل توسيع حاكمية قانون الله في ارجاء الارض»، كما تتضمن المادة 154 من الفصل العاشر الخاصة بالسياسة الخارجية، السعي لتأسيس الحكومة العالمية، والتدخل في شئون الآخرين، من خلال تحججها بدعم من تطلق عليهم المستضعفين ضد المستكبرين، ونصرة الحركات التحررية في اي مكان في العالم، وقد انطلقت الثورة الايرانية حاملة رسالة الفقيه او »مدينة الله» التي تشمل الامم كافة، ويعمل علي تنفيذ المشروع الإيراني عدة جهات في مقدمتها الحرس الثوري، ووزارة الأمن والاستخبارات، ورابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية التي تتولي مهمة نشر التشيع في العديد من الدول. ودعونا نعترف ان المشروع الإيراني نجح إلي حد كبير ومنذ بداية الثمانينيات، مستغلا في ذلك ومعتمدا علي الأقليات الشيعية في العديد من الدول، وكانت اول مظاهره انشاء حزب الله في لبنان، ليصبح الوكيل العسكري الأبرز لها في منطقة الشرق الأوسط، وتم استنساخ التجربة في دول أخري ومنها السعودية، حيث تأسس فيها حزب الله- الحجاز، ومن ابرز عملياته الإرهابية، تفجير مبني سكن البعثة الامريكية في مدينة الخبر عام 1996، مما أسفر عن مقتل 120 شخصاً، من بينهم 19 أمريكيا. وفِي العراق تشكلت ميليشيا حزب الله العراقية بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، وظهر بالتزامن ميليشيات إيرانية عديدة، منها كتائب لواء أبي الفضل العباس، وكتائب كربلاء، وكتائب زيد بن علي، وقد توحدت جميعها تحت لواء »حزب الله العراقي» في عام 2006، وهناك أيضا الحشد الشعبي» في العراق الذي تأسس عام 2014 من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات الشهيد الصدر، وفِي سوريا تمتلك إيران أكثر من 50 ميليشيا مسلحة تحت العديد من المسميات ذات البعد الطائفي. وفِي اليمن تأسست ميليشيا الحوثي تحت اسم »جماعة انصار الله» عام 1992، وبدأت نشاطا عسكريا مسلحا منذ عام 2004، بالدخول في ست حروب ضد الجيش اليمني حتي عام 2010، حتي اجتاحت العاصمة صنعاء في 2014، وفِي البحرين تأسست سرايا المختار الشيعية في البحرين أواخر عام 2011، واعتمدت علي أسلوب حرب العصابات والهجمات الخاطفة والتفجيرات ضد الأهداف المدنية وقوات الأمن. وكذلك سرايا الأشتر- البحرين التي تأسست في مارس 2012، ويلقي دعماً من إيران والجماعات الشيعية العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. ويصبح السؤال المطروح هل ستؤثر العقوبات الامريكية علي هذه الفاتورة الضخمة المخصصة لاذرع ايران في المنطقة العربية؟ هناك سيناريوهان، الاول هو تراجع الدعم نظرا للازمة الاقتصادية التي ستمر بها ايران، نتيجة صعوبة بيع نفطها إلي دول العالم، والحصار المفروض علي مؤسساتها المالية، والثاني استمرار هذا الدعم بل وزيادته، نظرا للحاجة الماسة لايران لكل تلك التنظيمات، واستخدامها كأداة في توتير الاوضاع في دولها، وخلق أزمات باعتبار ذلك أوراق ضغط إيرانية، تفيد في مراجعة لقرارات العقوبات، والفترة القادمة ستكشف إلي أين تتجه الأمور؟ ونحن في الانتظار.