لا نصدم في كل مرة نطلع فيها علي تقرير دولي أو إقليمي خاص بتصنيف الجامعات العالمية، لأننا اعتدنا من جميع التقارير الصادرة في هذا الصدد أن تلقي بالجامعات في البلدان العربية إلي مراتب متأخرة، بينما تتبوأ المراتب الأولي جامعات كبري متمركزة في دول غربية كثيرة وجامعات تبدو صغري، توجد في أقطار صغيرة لكنها تصبح كبيرة باحتلالها مواقع متقدمة في هذه التصنيفات. لذلك لم يأتِ »المؤشر العالمي لترتيب أفضل الجامعات في العالم لسنة 2019» والذي يعرف اختصارا ب »THÉ» الذي تصدره مجلة »تايمز هايدراديوكيشن» البريطانية بأي جديد من شأنه أن يدعو إلي مراجعة القناعة الثابتة التي ترسخت لدي الرأي العام العربي في هذا الصدد. وهو تقرير أنجز تقييما علي 1250 جامعة في 88 دولة من مختلف أصقاع المعمور، استنادا إلي خمسة مؤشرات رئيسية تشمل التدريس وبيئة التعلم، والبحث، والاستشهادات والتأثير البحثي، والدخل الصناعي، والتوزيع والسمعة الدولية. وتم تفريغ هذه المعايير من خلال 13 معيارًا فرعيا تختص جميعها بتحليل أداء الجامعات والمؤسسات، وتركز في هذا السياق علي بيئة التعلم، من قبيل ما يتعلق بنسبة الأساتذة مع مجموع الطلاب، وعدد الحاصلين علي شهادات الدكتوراه، ودخل المؤسسة الجامعية، وشهرتها العالمية، والإنجاز البحثي المتمثل في عدد الأوراق البحثية الصادرة عنها، وما تدره من دخل للمؤسسة وشهرتها، إضافة إلي قوة تأثير هذا الإنجاز في نشر المعرفة والأفكار. وسط كل هذه التفاصيل الدقيقة لا تجد جامعة واحدة في مجموع البلاد العربية موقعا متقدما لها، إذ لا تترك لها الجامعات الكبري في الدول القوية وأخري ذات مصداقية فرصة للتقدم في التصنيف، لذلك نفهم ونتفهم كيف تبقي السيطرة المطلقة لجامعات الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تربعت سبع جامعات أمريكية علي مقاعد العشر جامعات الأولي في العالم، بيد أنه إذا انتقلنا إلي الحديث عن أفضل عشرين جامعة في العالم فإن التقرير يؤكد لنا أن 15 من العشرين جامعة هذه، هي أمريكية. وإذا تساءلنا عن الجامعتين اللتين احتلتا المرتبة الأولي والثانية فإن الجواب يفيد مرة أخري أنهما توجدان في دولة تحترم العلوم والمعارف وتقدس التعليم والتربية، إن الأمر يتعلق بالمملكة المتحدة التي تواجدت ثلاث جامعات منها ضمن أفضل عشر جامعات في العالم. ولم يقتصر الأمر علي هذا التقرير، بل نفس المراتب تخصص للجامعات العربية، كما الشأن مثلا بالنسبة لتقرير حديث آخر صادر عن شركة »ماكواريل سيمون »Quacquarellisymonds وهي شركة متخصصة في قضايا التعليم، ويعرف تقريرها اختصارا بتقرير »QS» والذي اعتمد ستة مقاييس لترتيب الجامعات في العالم تشمل الشهرة العالمية ونسبة الأساتذة إضافة إلي الطلبة والبحث الأكاديمي، ومرة أخري حصلت جامعات الولاياتالمتحدةالأمريكية علي أهم المراكز المتقدمة في التصنيف، حيث استحوذت علي المراتب الأربع الأولي في قائمة أفضل مائة جامعة في العالم، تلتها المملكة المتحدة وسويسرا، كما وجدت دول صناعية ناشئة وجديدة في منظومة القوة الاقتصادية العالمية مواقع متقدمة لها في هذا التصنيف من قبيل سنغافورة والصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وكندا وهونغ كونغ وأستراليا وتايوان ونيوزيلاندا والدانمارك والسويد وفرنسا وبلجيكا وهولندا، في حين لم يبد أي أثر في هذا التصنيف لأية جامعة عربية. ومهم أن نلاحظ أن أفضل خمسين جامعة في مقدمة هذا التصنيف توجد في دول شرق آسيا، ولهذا الأمر تفسير مقنع وشاف للثورة الصناعية الكبري التي تميز اقتصاديات هذه الدول. ولعل هذه التصنيفات للجامعات في دول العالم تفيدنا كثيرا في فهم واستيعاب غياب الجامعات في الدول العربية عن التصنيف المتقدم فيها، لأن الجامعات في الدول العربية لا تزال مخلصة لمنظومة تعليمية عالية تقليدية غارقة في التخلف، حيث تفتقد لاستقلالية القرار، وهي بذلك مجرد إدارة من الإدارات العمومية التابعة للحكومة، وتعرف اكتظاظا كبيرا يجعل العملية التعليمية مستحيلة، ولنا أن نتساءل كيف يمكن لعملية تعليمية أن يكتب لها النجاح في مدرج بعشرات المئات من الطلبة بأستاذ واحد، ولعل ظاهرة الاكتظاظ تعري إشكالية العجز الكبير في البنية التعليمية العالية من نقص في البنايات وضعف كبير في التجهيزات وشُح فظيع في التمويل العمومي. كما أن الجامعات في الدول العربية لا تولي كبير اهتمام وعناية للبحث العلمي، ولنا أن نستدل بالتدني الكبير جدا في النسبة المخصصة لتمويل البحث العلمي في الموازنات المالية السنوية في الأقطار العربية التي لا تتعدي في معدلها العام 1 بالمائة، بيد أنها لا تقل في دول كثيرة في العالم عن 5 بالمائة، ولذلك تجد كثيرا من الأساتذة الجامعيين يقضون جزءا غير يسير من أوقاتهم الجامعية فيما لا يفيد الجامعة ولا المجتمع، لأن الحكومات العربية لم تخطط ليقوم الأستاذ الجامعي بدوره الرائد في المجتمع من خلال التدريس وتأطير البحث العلمي النافع والنشر والتأليف. لذلك كله، لا تفاجئنا التقارير الدولية والتصنيفات العالمية حينما تلقي بالجامعات في البلدان العربية إلي مراتب جد متأخرة ومتخلفة، لأنها ببساطة تستحقها عن جدارة. • نقيب الصحفيين المغاربة