زرت العراق مرتين.. الأولي قبل غزو الكويت عام 1990 والثانية منذ أربعة شهور.. بغداد لم تشيد فيها طوبة واحدة، بل لم تتم إعادة تعمير المناطق التي ضربتها الحروب، كان يمكن أن تكون أغني دولة عربية، بما تمتلكه من بترول وأنهار ونخيل، لكنها الحرب التي أتت عليها، وحرمت شعبها من التقدم والازدهار. تذكرت بغداد »قلعة» الأسود، عندما قرأت خبرا يقول إن العراق يستعد لتسليم الكويت ارشيف الإذاعة والتليفزيون، الذي نهب عام 1990.. بعد إيه؟ مآسي العرب الكبري اليوم، كان وراءها مأساة غزو الكويت، التي قصمت ظهر العروبة، وشتتت شملها وجعلت شعوبها كالإخوة الأعداء، وكتبت علي العرب جميعا الذل والهوان، وأصبحت أراضيهم مستباحة وأرواحهم رخيصة. وإذا كانت الجراح تندمل وتطيب بمرور الوقت، إلا غزو الكويت الذي يزداد جرحه اتساعا ونزفا. لن يدفع من دمروا العراق دولارا واحدا، لتعمير العراق، وحضرت منذ شهرين مؤتمر إعمار العراق الذي عقد بالكويت، وجاء المستثمرون من شتي البلدان، يبحثون عن الضمانات ومن يمولهم، والفرص الاستثمارية المتاحة.. ولم يجب احد عن السؤال الأهم: من الذي سيتحمل فاتورة إعادة الإعمار؟ الاستثمارات الأجنبية لن تعود للمنطقة، المشحونة بالحروب والأزمات، والأموال العربية قيد التحفظ في البنوك الأجنبية، وحتي لو تم فك أسرها، فسوف تبحث عن مناطق آمنة غير بلاد العرب، والشعوب التي فرحت للفوضي ورقصت علي دخان الجحيم العربي، هي وحدها التي تدفع الثمن، حتي لو لم يكن الذنب ذنبها. • عندما ينصح الرئيس عبدالفتاح السيسي الشعوب العربية »حافظوا علي بلادكم»، فهو يقدم خلاصة الخبرة المصرية، في مواجهة خطر جسيم، كان يمكن أن يدمر الدولة، ويشعل بين مواطنيها الحرب الأهلية. ومصر حافظت علي نفسها، لأن فيها جيشاً صورة طبق الأصل من الشعب، بمكوناته وحضارته وأصالته ووطنيته.. ووعيه. الوعي الذي تحدث عنه الرئيس في المؤتمر، هو الذي مكن الجيش المصري من احتواء الزلزال، ولم تأخذه غطرسة القوة ولا انفلات ردود الأفعال، وظل محافظا علي كيانه الصلب من محاولات الاختراق، جيش لمصر وليس للإخوان، ويدين بالولاء للمصريين وليس للأهل والعشيرة، ويعي جيدا عظمة وخلود الوطن الذي يحمل مسئوليته، فحافظ عليه وخرج من المؤامرة الكبري، رافعا علم مصر عاليا في السماء. في عز أيام الوجع والخوف، كان المصريون مطمئنين أن الجيش لن يتركهم، وكانت كلمة »جيش» تستدعي الطمأنينة والثقة، والفرق بين الجيش المصري والجيوش الأخري، أن الأخيرة ذابت وتلاشت في الأحداث، بل إن بعض عناصرها تحولت لميليشيات مسلحة، تدير رحي الحروب الأهلية. »لا يمكن قبول أي دور للميليشيات في دول النزاع» رسالة أخري من الرئيس للدول التي تحاول استرداد مؤسساتها، والوقوف علي قيمها من جديد، فالجيش الوطني الموحد هو الأمان لاستقرار الأوضاع، والضمانة الحقيقية لوأد الفتن ومحاولات التقسيم وتوزيع مناطق النفوذ. لقد حاولت الجماعة الإرهابية في عام حكمها، ان تنشيء ميليشيات إخوانية مسلحة، وظهرت بوادرها في أحداث المقطم والاتحادية، ومارست أسوأ أنواع التنكيل والتعذيب، ولعلنا لا ننسي الإخواني الذي كان يهدد المواطنين المربوطين في الأسوار »اعترف، اعترف، وإلا هسيبهم عليك»، ورفض الحرس الجمهوري أن يرفع سلاحا في وجه مواطن مصري، وانحاز للشعب في مواجهة الميليشيات. الميليشيات هي وقود الفوضي، خصوصا التي تكتسي بعباءة دينية، وتنسب أبشع جرائمها للأديان، وتعتقد أنها مفوضة من السماء لحكم البشر في الأرض، فتقتل وتحرق وتنتهك وتغتصب، وتدمر هوية الأوطان.