إسرائيل أغلقت الأبواب في وجه رئيسة حزب يساري حاولت تجميد الصفقات تحديد موقع أي شخص في أي نقطة علي وجه المعمورة.. التنصت عليه، وتسجيل المحادثات التي تجري بالقرب منه، والتقاط صور للمحيطين به، وكتابة وقراءة النصوص ورسائل البريد الإليكتروني، وتحميل التطبيقات أو اقتحام غيرها الموجودة علي هاتفه، ورصد جميع الأسماء الموجودة علي الجهاز وتتبعها. كل ذلك وغيره يجري بسرية تامة وبدقة متناهية عبر رسالة مجهولة علي هاتف محمول، يفتحها المتلقي فتصبح أدق تفاصيل حركاته وسكناته معلومة للجهة التي تمتلك تقنية التجسس الاسرائيلية، المعروفة تجارياً ب»بجاسوس«، لاسيما أنها تقنية التجسس الأكثر تطوراً علي مستوي العالم، وفقاً لما نقلته صحيفة «هاآرتس» عن مجلة «فوربس» الأمريكية. الاستخبارات الإسرائيلية وبدعم من الچنرالات المتقاعدين في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، وبرعاية حكومتي أرئيل شارون ونتانياهو، وعدد ليس بالقليل من المراكز البحثية، ووفقاً ل 100 مصدر في 15 دولة حول العالم، تتربع إسرائيل علي عرش مصدري منظومات التجسس علي مستوي العالم، فوقَّعت صفقات مع حكومات الأعداء قبل الأصدقاء للسيطرة علي سكان الكرة الأرضية من خلال الهاتف المحمول. وتكمن كلمة سر تطور صناعة تقنيات التجسس الاسرائيلية في شركة NSO؛ ففي عام 2014، وبعد أقل من خمس سنوات مارست الشركة نشاطها داخل حظيرة دجاج بمستوطنة «بني صهيون» الزراعية في منطقة هشارون، وصلت قيمة 70% من أسهمها إلي 130 مليون دولار، حينما اشتراها الصندوق الاستثماري الأمريكي «فرانسيسكو پارتنرز»، الذي يعمل بشكل رئيسي في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، ويشتري الشركات ويعكف علي تنميتها لمدة خمس سنوات، وفي العام التالي لعملية الاستحواذ علي الشركة وصلت أرباحها فقط إلي 75 مليون دولار. ورغم ضخامة الأرباح وقيمة أسهم الشركة، إلا أن تلك الأموال لا تعدو مجرد جزء ضئيل جداً من الصورة الكبيرة للشركة، إذ إنه خلال بضع سنوات، أصبحت صناعة التجسس الإسرائيلية رأس حربة التجارة العالمية في أدوات المراقبة والتجسس والاعتراض، وباتت الأجهزة الأمنية في مختلف حكومات العالم مجهزة بقدرات تجسس إسرائيلية. عش الدبابير ونظراً لتعارض المنتج الاسرائيلي مع حقوق الانسان والحريات، رفعت رئيسة حزب «ميرتس» اليساري تامير زندبرج دعوة قضائية لتجميد تصدير منتجات الشركة الاسرائيلية، لكن زندبرج لم تعلم أنها دخلت «عش الدبابير»، وفوجئت بتدخل الدولة، وإصرارها علي التداول حول القضية خلف أبواب مغلقة، وسرعان ما تدخلت وزارة الدفاع وفرضت تعتيماً علي القضية، وأصدرت الجهات المعنية حظر نشر علي كل ما يتعلق بالموضوع، حتي أنه تم استبعاد أعضاء لجنة الشئون الخارجية والدفاع في الكنيست من الاطلاع علي المعلومات المتعلقة بصادرات الشركة. ورغم التعتيم وحظر النشر، إلا أن التسريبات التي نشرها تحقيق الصحيفة العبرية كشفت النقاب عن أن شركة NSO باعت برامج التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية لإندونيسيا وأنجولا وموزمبيق وجمهورية الدومينيكان، وأذربيچان، وسوازيلاند وبوتسوانا وبنجلاديش والسلڤادور وپنما ونيكاراجوا. بالإضافة إلي ذلك، أكدت التسريبات نجاح الشركات الاسرائيلية العاملة في المجال ذاته في تصدير معدات تجسس في الماضي غير البعيد إلي ماليزيا وڤيتنام والمكسيك وأوزبكستان وكازاخستان وإثيوبيا. تقنيات تجسس وتحدث تحقيق «هاآرتس» عن ما وصفه بالسوق الأفريقية لمنتجات التجسس الاسرائيلية، مشيراً إلي أن شركة «سيراكيوز»، وهي ثاني أكبر الشركات الاسرائيلية العاملة في المجال باعت لسوازيلاند أنظمة اعتراض هواتف محمولة، بالإضافة إلي ذلك باعت الشركة تقنيات مماثلة لنيچيريا في 2012، وحصل علي الصفقة حاكما ولايتين في الاتحاد النيچيري، وأوضحت التحقيقات أنه خلال الفترة التي سبقت حملة الانتخابات النيجيرية عام 2015، استخدم أحد الحاكمين التقنيات المستوردة في التجسس علي منافسه الرئيسي وزوجته ومساعديه، وفي حالة أخري لتحديد مكان واعتقال أحد خصومه المعروفين. أما شركة ALBIT الاسرائيلية فباعت، بحسب «هاآرتس» تقنيات تجسس لنيچيريا، وجري زراعتها في مقر وكالة الاستخبارات الوطنية في هذا البلد. وأفادت معلومات نشرها معهد «سيتزن لاب» في ديسمبر الماضي، أن إسرائيل باعت لإثيوبيا تقنيات تجسس، وأن حكومة أديس أبابا أطلقت من أراضيها برنامج تجسس من طراز P«360، لتعقب ورصد حركة ونشاط المعارضين الإثيوبيين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، ورغم عزوف الجهات المعنية في إسرائيل وإثيوبيا عن الاعتراف بتلك الصفقات لكن مصدرين ضالعين في الصفقة أكدا ل«هاآرتس» خروجها إلي حيز التنفيذ.. وتظهر في أمريكا اللاتينية أيضاً بعض آثار النشاط الإسرائيلي، إذ تشير وثائق كشفت عنها وكالة «أسوشيتد پرس» أنه في عام 2015 أنشأت شركة »erint الاسرائيلية مركز مراقبة في قاعدة عسكرية في پيرو بمبلغ 22 مليون دولار، وجري في إطار هذا المشروع زرع نظام قادر علي تتبع اتصالات الأقمار الاصطناعية والسلكية واللاسلكية ل 5 آلاف هدف، وتسجيل مكالمات 300 شخص في آن واحد. ضد المدنيين وقال مصدر آخر ل«هاآرتس» إن الشركات الإسرائيلية تواصل بيع تقنيات التجسس إلي المكسيك، رغم علمها المسبق باستغلالها ضد المدنيين. وعلي نفس الوتيرة باعت شركتان إسرائيليتان منتجات مماثلة لكولومبيا، ففي عام 2015، كشفت المنظمة البريطانية Privyce International أن شركتي »erint وNice الاسرائيليتين زودتا شرطة كولومبيا بأنظمة اعتراض الهاتف وأن الأنظمة استخدمت في التجسس علي المنشقين، وقال مصدر مطلع علي أعمال شركة »erint في أمريكا اللاتينية أنه رغم كشف تلك الصفقة، إلا أن الشركة واصلت بيع منتجاتها في البلاد. وتشير معلومات الصحيفة العبرية إلي أنه إذا كانت حكومة أرئيل شارون سعت بداية العقد الماضي إلي استغلال قدرات المتقاعدين في وحدات الاستخبارات، فإن حكومة نتانياهو سعت بداية العقد الجاري لاستغلال الإمكانيات الأكاديمية. ويعود سر الاهتمام الاسرائيلي في ذلك إلي أن سوق أمن الانترنت حققت أرباحاً وصلت إلي 31 مليار دولار خلال العام الماضي فقط، ومن المقرر وفق التقديرات الاسرائيلية أن تجني السوق ذاتها في غضون السنوات الثماني القادمة 76 مليار دولار سنوياً، ولعل ذلك هو ما حدا بنتانياهو إلي القول: «الإنترنت يمثل تهديداً خطيراً، لكنه في المقابل يحقق أرباحاً هائلة للغاية». صناعة التجسس وبعد عودته إلي الحكومة، حرص نتانياهو علي دفع صناعة التجسس إلي الأمام، ودعا الميچور چنرال إسحاق بن إسرائيل إلي تقديم خطة متعددة السنوات. ويشغل بن إسرائيل حالياً منصب رئيس المركز متعدد التخصصات للدراسات الإلكترونية في جامعة تل أبيب. وقد أنتج البرنامج الإلكتروني الوطني الذي أسند إليه أربعة مراكز للإنترنت في جميع أنحاء البلاد، وأكد بن إسرائيل أن التعليم والبحث يجب أن يكونا مركزين». وفي تعليقه علي تصدير برامج التجسس الاسرائيلية إلي العالم، يقول الميچور چنرال بن إسرائيل: «إن السيف الهجومي هصو جزء صغير من الصناعة، التي يتمثل هدفها الأساسي في الدفاع، مشيراً إلي صعوبة قياس صادرات برامج التجسس، نظراً لأنها تحمل الجديد من الابتكارات كل يوم». رغم صعوبات تحديد حجم صادرات تقنيات التجسس الاسرائيلية، إلا أن مؤسسة Privace International المعنية بإعداد دراسات حول التجارة الدولية في تقنيات المراقبة، نشرت دراسة منذ عامين، أشارت فيها إلي أن النمو الهائل لهذه الصناعة بدأ عام 2012، إلا أن الشركات العاملة في المجال لم تتجاوز 246 شركة، لكن عددها وصل عام 2016 إلي 528 شركة، وتشير لغة الأرقام إلي أن الشركات الاسرائيلية تحتكر لنفسها نسبة تتراوح ما بين 10 إلي 20 في المائة من سوق الإنترنت العالمي، إذ بلغ إجمالي الاستثمار في الشركات الإسرائيلية الناشئة في هذا المجال عام 2016، 20٪ من الإجمالي العالمي. ولعب الجيش الإسرائيلي من جانبه دور حاضنة الأعمال، حيث نمت وحدات الاستخبارات التكنولوچية، في حين أن خريجيها نقلوا معرفتهم إلي العديد من الشركات الناشئة. ■ محمد نعيم