يوم الإثنين الماضي احتفلوا في بريطانيا باكتمال قرنين من الزمان علي نشر تلك الرواية التي طبقت شهرتها الآفاق وأصبحت منذ الأيام الأولي لصدورها (1 يناير 1818) تحت اسم »فرانكنشتاين»، أيقونة شعبية محملة بخليط من الحكمة والرعب والفلسفة. والآن ما من أحد (تقريبا) علي ظهر هذا الكوكب لا يعرف اسم هذه الرواية، فضلا عن قصتها التي ألفتها فتاة تدعي »ماري شيلي» لم يتجاوز عمرها ال 18 عاما، وكانت وقتها مجهولة تماما، وربما بقيت كذلك، أو علي الأقل لم تبلغ أبدا الشهرة الطاغية لروايتها الوحيدة التي تلقفها صناع السينما (ومسلسلات التليفزيون) ونسجوا من حكايتها ابتداء من العام 1910 وحتي الآن، ما يربو علي 150 عملا، يقف علي رأسها فيلمان مهمان حققهما المخرج »جيمس وال» في ثلاثينات القرن الماضي وأثري بهما تراث سينما الرعب العالمية.. الفيلم الأول عرض للجمهور تحت اسم »فرانكنشتاين»، أما الثاني فقد كان تحفة فنية حملت عنوان »خطيبة فرانكنشتاين»، ويكفي للدلالة علي تفرد وأهمية هذا الفيلم بالذات أن إحدي صالات المزادات الأمريكية باعت نسخة نادرة من »الأفيش» الإعلاني الخاص به، قبل سنوات قليلة، بمبلغ خرافي بلغ 700 ألف دولار!! أفلام فرانكنشتاين كلها كانت تنويعات أو »لعباً» فنياً بالخط الرئيسي الذي تجري فيه أحداث رواية الشابة ماري شيلي التي لم يكن لها أية علاقة بالأدب سوي ما عرفه الناس بعد ذلك من أنها اكتسبت لقب »شيلي» بسبب زواجها من شاعر الإنجليز الشهير »بيرسي تشيلي». مختصر الحكاية التي تحكيها »ماري»، أن طبيبا جراحا (فيكتور فرانكنشتاين) طرد من كلية الجراحين الملكية البريطانية بسبب غرابة أطواره وشغفه بإجراء تجارب علمية شاذة اعتبرتها الكلية مخالفة للقانون والأخلاق، لكن هذا الطبيب لم يرتدع بل واصل بعد طرده السير في طريق ظنه السبيل إلي اكتشافه وامتلاكه »سر الحياة» الإنسانية، ومن ثم محاولة صنع كائن بشري »سوبر» وفائق القوة يكون أداة هذا الطبيب للتفوق والهيمنة المطلقة علي المجتمع البشري كله. وبمساعدة وتشجيع طبيب آخر يدعي »فرتز» ينشط فرانكنشتاين في إجراء تجاربه لتخليق »السوبرمان» منطلقا من نظرية مفادها أن طاقة الكهرباء هي مكمن السر الحيوي، وبناء علي هذه النظرية يبدأ هو مساعده في سرقة جثث الموتي وانتقاء أعضاء منها ولصق بعضها ببعض، لكنهما عندما أنهيا صنع هيكل الكائن البشري الذي اخترعاه اكتشفا أن الرأس ليس ملائماً، فعمدا إلي سرقة جثة جديدة كانت بالصدفة لمجرم معتوه أخذا رأسه ولصقاه بالجسد المفبرك الذي بدا لهما مكتملا وجاهزا لكي تدب فيه الحياة إذا سرت في أوصاله شحنة كهرباء قوية، لهذا قاما بتعليقه فوق برج نصباه فوق سطح منزل فرانكنشتاين حتي تأتي صاعقة تضربه فتدب فيه الحياة، وهو أمر حدث فعلا بعد أيام، وأضحي الجثمان المصنوع مسخا مرعبا يتحرك ويعربد في الدنيا طليقا من كل الحدود والقيود الأخلاقية والضميرية التي تواضع عليها البشر. تسرد الرواية بعد ذلك صور الفظائع والجرائم التي اقترفها وحش فرانكنشتاين والتي لم ينج منها هذا الأخير نفسه، فقد قتل الوحش خطيبة خالقه المغرور المتهور ليلة عرسهما، ثم في النهاية صرع الوحش الطبيب المجنون ليصير عبرة لكل من يتوهم أن بإمكانه صنع أدوات القتل والتخريب والبقاء محصنا وبمنأي عن أخذ نصيبه منها. هذا هو الملخص (المخل) لحكاية الدكتور فرانكنشتاين.. وبعيدا عما في هذه الحكاية من إثارة ممتعة، أظنك عزيزي القارئ فهمت مغزاها والحكمة العميقة الراقدة في ثنايا وقائعها المرعبة، وخلاصتها أن اللعب والعبث المتهور في الطبيعة عواقبه خطيرة وكارثية، كما أن سياسة تخليق الوحوش (سواء كانت ظواهر أو جماعات) لاستخدامها في الهيمنة وإلحاق الأذي بالآخرين، سوف تنتهي إلي إطلاق شياطين لا يمكن السيطرة عليها ولا حصر شرورها في دائرة محدودة، بل إن هذه الشرور ستطال حتما هؤلاء الذين دفعهم جنون الجشع والغرور إلي اللعب في المحظور.. فهل يتعظ الجهلة الأغبياء الذين مازالوا حتي الآن يقلدون الدكتور المهووس فيكتور فرانكنشتاين؟.. لا أظنهم سيتعظون.