منذ سنوات كثيرة سألتني ابنتي التي كانت وقتها مازالت طالبة بالجامعة بعدما قرأت عن ضبط مجموعة من الحرامية من أصحاب المراكز والمناصب والسلطة يسرقون المال العام.. هل تغيرت نوعية اللصوص الذين كنا نراهم في الأفلام القديمة الحرامي الذي يرتدي الملابس المخططة ذو الكف الكبير والشكل المرعب والعضلات المفتولة؟ إجابتي كانت علي قدر ما كان في ذلك الوقت. حرامي زمان كان علي قده يسرق الغسيل أو ينشل محفظة موظف يوم القبض من أتوبيس، السرقة الآن صارت لها مسميات أخري بمعطيات الزمن الحالي. وأصبحنا علي مدي عقود لا يمر يوم إلا ونقرأ أو نسمع عن مسئول أو موظف كبير أو صغير في موقعه يسرق وينهب وتطور الأمر لتسود الرشوة وتصبح الداء الذي يهدد حياتنا وكأنها سرطان ينخر في عظامنا. عاد السؤال إلي ذهني وسط هذا الكم الهائل من الضبطيات التي نفذتها الرقابة الإدارية وما تقوم به لجنة استرداد أموال الدولة ما كل هؤلاء المرتشين والراشين الذين يجب أن يحاسبوا تماما كالمتهم الأصلي؟ وما كل تلك الأراضي المملوكة للدولة ويضع الناس أيديهم عليها بلا سند أو قانون وبمعاونة بعض ضعفاء النفوس مقابل المعلوم الذي صار الآن بالملايين. وجدتني أتساءل ثانية كيف وصل هذا المسئول للمنصب قطعا طالما أنه قبل ما يقدم له لشراء ذمته وهو في هذا المنصب فمن الطبيعي أنه فعل ذلك منذ الصغر فهو ينطبق عليه المثل من شب علي شيء شاب عليه مع عدم التعميم وليس هناك مجرم بالصدفة هكذا تعلمنا في مدرجات الحقوق فعل ذلك صغيرا فأصبح قبول الرشاوي بلا خجل ولا حمرة وجه.. هل الملايين التي يسيل لها لعاب المسئول أفضل عنده ليضحي بشرفه ومنصبه تخيلوا بعضهم يطلق عليها عمولة تسيير أعمال!! ذلك المسئول أو ذاك لا ينقصه المركز الذي يوفر له الحياة المحترمة وكم رأينا منهم ممن يتقاضون الآلاف مرتباً غير حوافزهم، أين الخطأ؟ البداية قطعا في التربية مدرسة وبيتا الخطأ الأول يرجع في سوء الاختيار يجب أن يكون هناك نوع من الفرز الدقيق عند اختيار من يرشحون للمراكز القيادية. أن نبعد أصحاب النفوس الضعيفة وهؤلاء يعلنون عن أنفسهم بوضوح لو دققنا النظر ويتكشفون خاصة مع الإغراءات التي يقدمها الراشون. أما سرقة مال الدولة في أي صورة من الصور فترجع في غالبها إلي أنها تساهلت في الحفاظ عليه فاستباحه خربو الذمم وعلي رأي المثل القائل: »المال السايب يعلم السرقة». للأمانة ما يحدث في المحليات شيء مقزز يجب أن تتنبه الدولة إليه وجميل أن توجه الرقابة الإدارية الضربة تلو الأخري للعناصر الفاسدة في الإدارات الخربة المنتشرة علي مستوي الجمهورية ولكن الأمر يحتاج إلي تفعيل قوانين وتشديد أخري حتي نردع من تسول له نفسه أن يعطل مصالح الناس أو ينجزها مقابل المعلوم. وتخيلوا معي مثلا ما حدث منذ أيام تم ضبط رئيس حي كبير متلبساً بالرشوة تري ماذا سيكون حال مرؤوسيه مع عدم التعميم قطعاً هم يعرفون تجاوزاته علي الأقل وسكتوا عنها حتي انفضح أمره وسكتوا فشاركوه بقصد أو بدون قصد في جريمته. سرقة المال العام أو الاستيلاء علي أراض مملوكة للعامة وللدولة والرشوة هي آفة المجتمع الحديث الذي اختفي فيه الحرامي الغلبان الذي كان يسرق من أجل لقمة تقوته، غسيل من فوق الأسطح أو بكسر زجاج سيارة ليستولي علي جهاز الكاسيت. حرامية اليوم يمتلكون من البجاحة ما تجعلهم طماعين لتحقيق الثروات وبناء الفيلات وتكنيز السرقات بالبنوك أو في خزائن خاصة بمنازلهم. حرامية نيولوك. ويبقي السؤال، وأين عيون المحافظين في الرقابة؟ والإجابة.. لا يوجد !!