حسنا فعلت وزارة التعليم بقرار الإشراف علي المدرسة الخاصة المتهم صاحبها وشقيقه بارتكاب الجريمة اللاأخلاقية التي هزت مصر كلها. لكني أتصور أن قرار وزارة التعليم هو مجرد إجراء فوري أولي لتهدئة أولياء الأمور وتبديد مخاوفهم يجب أن تعقبه سلسلة من المراجعات لمنظومة التعليم الخاص في بلدنا. فقرار الوزارة بإخضاع تلك المدرسة الخاصة لإشرافها يعني أنها لم تكن خاضعة لإشراف الوزارة ومن المؤكد أن هناك العديد من المدارس الخاصة الأخري لا تخضع لإشراف وزارة التعليم. والسؤال هنا من كان يشرف علي تلك المدرسة ويراقب أداءها والتزامها بمنظومة التربية والتعليم؟ في ظني أنه منذ تركز الاهتمام الحكومي علي التعليم دون التربية قبل عقود وانشغلنا بأفكار تطوير التعليم ومحاولات مكافحة الدروس الخصوصية وأزمات الثانوية العامة، تراجع الاهتمام بالدور التربوي والأخلاقي للمدرسة. ومنذ أن زاد عبء التعليم وتوفير المدارس علي الحكومة تركت جزءاً من الحمل علي بعض أصحاب رؤوس المال القادرين علي إنشاء المدارس وتحمل تكلفة توظيف الشباب من المدرسين غير المؤهلين والتعامل معهم بالقطعة دون اعتبار لخلفيتهم الدراسية أو تخصصاتهم المهنية، أو حتي كفاءتهم التربوية. الأمر نفسه ينطبق علي أصحاب المدارس الخاصة حتي تحول التعليم الخاص إلي بيزنس تماما كالإنتاج السينمائي من معه يدفع ويشيل. التعليم الخاص أصبح رهينة لحسن الحظ وسوئه. فلو كان صاحب المدرسة فرداً ويمتلك المهارات التربوية التي تجعله حريصاً علي إنتاج منتج تعليمي جيد وإنجاح البيزنس الخاص به واكتساب سمعة لائقة في عالم التعليم الخاص كان هذا من حسن الحظ. أما لو كان فرداً لا يمت للعملية التعليمية بصلة سواء كان وارثا للمدرسة كأي وارث لأي بيزنس أو شخص لديه ما يكفي من المال لإنشاء أو شراء مدرسة فهذا نذير بسوء الإدارة وسوء المنتج وضحالة مستوي الخريجين وربما لا ينجح أحد من طلابه. كل ما يهمه هو حصد الأرباح وابتزاز الأهالي المستعدين للدفع مقابل ضمان مستوي وهمي من التعليم أرقي من التعليم الحكومي. والمدارس الخاصة طبقات وكل »برغوث علي قد دمه». من نماذج حسن الحظ أسمع عن مدرسة خاصة صاحبها فرد يمتلك مقومات الرسالة التعليمية والتربوية.. مصاريفها عالية لكن الأهالي مستعدون للتضحية لأنهم يجدون العائد في نتائج أبنائهم طلاب الشهادات العامة ويلمسون مدي الانضباط السلوكي عند أبنائهم ومدرسيهم ويرون الحوافز المعنوية التي تقدمها المدرسة للمتفوقين، والتشجيع للطلاب متوسطي أو محدودي الاهتمام بالدراسة. هذه المدرسة قضت علي الدروس الخصوصية بتخصيص يوم السبت - وهو إجازة - لمجموعات التقوية داخل المدرسة وأداء هذه المجموعات إجباري للمدرسين فلا أحد يمكنه رفض التدريس فيها، وفي المقابل يحصلون علي مكافآت مالية مجزية. لهذا تجد علي الأقل واحدا من أبناء تلك المدرسة علي الأقل من أوائل المحافظة او المنطقة التعليمية. أما نموذج التعليم البائس بالوردة والعصفورة الذي يقدمه صاحب المدرسة المتهم باغتصاب ثلاثة أطفال في مرحلة رياض الأطفال بمكتبه فلابد له ولأمثاله من وقفة. الوقفة من الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم تشمل مراجعة للأسلوب القائم في منح تراخيص إقامة المدارس الخاصة والتشديد عند شراء مدرسة قائمة بالفعل، مع ضرورة التحقق من حسن سمعة طالب الترخيص وسلوكه وعدم توريث التراخيص إلا لمن تنطبق عليه شروط الترخيص الجديد. فالتعليم قبل أن يكون بيزنس هو رسالة إنسانية تتطلب ضميراً حياً وامتلاك المؤهلات الشخصية التي تساعده. ولا مانع من إخضاع صاحب الترخيص إلي اختبار وتقييم دوريين حتي لا ترتكب في المدارس جرائم تدمر أجيالاً وينجو مرتكبوها من أفعالهم الشنعاء بحجة المرض النفسي مثلا. كذلك تحتاج هذه الجريمة الأخيرة لوقفة من أولياء الأمور بتحري الدقة عند اختيار المدرسة الخاصة التي يشركون أبناءهم بها خاصة في مرحلة رياض الأطفال. فالكثير من الأهالي وقد ضاقت بهم سبل الحياة يحتاجون لإدخال أبنائهم أي مدرسة ليتمكن الوالدان معا من الخروج إلي العمل وقد يجذبهم عنصر معقولية المصاريف إلي مدرسة دون أخري دون التحقق من سمعتها الأخلاقية ارتكانا إلي إمكانية تغيير المدرسة في المرحلة الابتدائية. لا أستطيع إدانة المتهم فهو برئ في نظر القانون حتي يثبت جرمه، لكني أيضا لن أسامحه حتي تثبت براءته.