الكتابة مهنة وصنعة وحرفة يمتهنها أهل الفكر والرأى والصحافة، لكنها أبدًا لم تكن وظيفة أو عملية آلية أوتوماتيكية أو تخضع لمعادلات وحسابات رياضية، وما أصعبها مهمة عندما تكون الكتابة بطعم المرارة، كيف تحتوى الكلمات حجم الألم، وكيف تعبر المفردات عن حالة الحزن والأسى، ما نكتبه مجرد حبر على ورق أمام دموع أبو الشهيد أو حسرة والدته التى ينفطر قلبها لو نطق لصرخ وجعا أسمع الدنيا كلها، ما نكتبه عجزًا وما نقوله نوعًا من إبراء الذمة أمام أهلنا وناسنا والتاريخ، ما نحكيه من مشاعر أو نرويه يظل كلاما، حتى فى أقصى درجات الصدق هو فقط (حديث) فى فسحة من وقت ورفاهية خجلا نكتب عن شهدائنا، لعلنا نستشعر في كلماتنا إنسانيتنا، نستعيد بها بعضا مما نفقده كل يوم منها، هو رد اعتبار لأنفسنا وليس لأحد سوانا، تلك الحروف ربما تنير لنا طريقا أو تستكشف من جديد أرواحنا تائهة فى زحمة حياة قاسية، وألم الدم الذى يطاردنا، وقلوبنا تعتصر كمدا على أعز أبناء الوطن.. هل قلت فيما أكتب جديدا أو عبرت عن بعض مشاعر لدى الملايين فى بلدنا أكبر وأعظم منها، هل تفى الكلمة حق شهيد، أو تخفف بعض آلام الفراق لابن لن ير والده أو أب سار فى جنازة فلذة كبده، أو زوجة تفقد فى ريعان الشباب السند والصهر؟!، هل تصمد الكلمات أمام لحظة فقد، وهل تكفى مشاهد الجنازات التى تنقلها الكاميرات، لنكتفى نحن بالفرجة على نواح الأحبة فى وداع أنقياء الوطن؟! ليس لنا من عزاء سوى القدر الذى اصطفى الأخيار من بيننا. هذا التكريم الإلهى بمثابة الجائزة الكبرى، هذا ما يشفى الصدور التى يسكنها الألم، كلنا راحلون لكن كيف ولماذا؟ الإجابة على كيف ومتى هى التى تحدد إنسانيتنا وقدرها وقيمتها بين بنى البشر، الجميع إلى زوال، ولكن كيف سيكون مشهد النهاية؟ هذا هو الأهم وهذه هى رسالة شهدائنا. كيف تعاملنا مع هذه الرسالة إعلاما ومجتمعًا، وفى جلسات الأصدقاء على الكافيهات وحديث أبناء البلد على المقاهي، وأيضاً كيف تعاملت السوشيال ميديا مع الحدث الجلل؟!وكيف تعاملت معه نخبتنا؟، كيف تسابق الإعلام ليتحصل على أرقام وإحصائيات وكأنه يتحدث عن دورى الأبطال أو مباراة فى كرة القدم متناسيا أن الإحصاء هنا وفى هذا الموقف لشهداء، ومصابين على جبهة حرب، نعم تأخرت المعلومات ولكن ليس هذا مبررا، فليس متخيلا أن تقف أصوات المدافع ليحصل مذيع الاستديو على بيان أو تصريحات رسمية، إنها ضرورات الموقف، وشرف وطن يدافع من أجله فى ساحة المعركة رجال لا يطلبون منا الدعم إلا دعاءً أو صمتاً كان الاختبار صعبا على الجميع بل قاسيا وعنيفا فضح قصورا ، وكشف نوايا ، سقط فى الاختبار كثيرين ، من زايد ومن تاجر ، ومن هوّل ، ومن تربح ، ومن انتقم لنفسه من خصومه والدماء لم تجف، والشهداء لم يزفوا بعد إلى الرفيق بهم ولأننا نتعامل بخفة وبلا مهنية فى حدث بهذه الأهمية يؤكد ذلك تصريحات منفلتة من صحفيين ونواب بمجلس النواب وإعلاميين محدودى الكفاءة، فكان طبيعيا أن تتعامل رويترز وبى بى سى اللتين تتربصان بِنَا فى الرخاء والنوائب بهذا الشكل من التضليل والتزييف وتنشران أخبارا تنسبها كذبا للسلطات المصرية بلا خجل مهنى، ولن يضيرهما شيئا إذا ما ترجعا بعد 24 ساعة واعتذار عما تم نشره لأنهما حققا الهدف بالنشر (انتشارا) وبالنفى (مصداقية) أى أنهما فى الحالتين رابحتان بكى من بكى وصرخ من صرخ، ثم مضى كل فى طريق، بعد أن اجتمعنا على الحزن، تفرقنا الى شتات، ننشغل بهم شخصى، بعد أن لعنا الإرهاب، ولعن بَعضُنَا بعضا وأسأنا لأنفسنا والقيمة التى ضحى من أجلها فتية آمنوا بربهم ووطنهم، وزاحمنا للظهور فى الاستديوهات، انفض المأتم وانصرف المعزون، ولَم نفكر وماذا بعد؟، وما يجب علينا أن نقدمه نخبة وإعلام ومجتمع؟!، لا يكفى أن نترحم على أولادنا فهذا أضعف الإيمان لن يشف صدورنا أن نقلب الصفحة وننسى ما جرى لا يجب أن يتحول إعلامنا لسرادق عزاء أو مجرد ناقلا للأحداث بل محرضا على الفعل ، شاحذا عزيمة المصريين، رافعا شعار النصر فى معركة طويلة الأجل، وأن هذه المعركة هى التحدى الذى يواجه هذا الجيل. ليست حرب رصاصات أو كلاشينكوف هذا هو السياق ، صراع مع الارهاب واهله ، صراع مجتمع ووطن بأكمله ضد حفنة لا تؤمن بالوطن وتستحل دم ابنائه ، وإذا كانت حربا كما نقول فأين موقع كل منا على جبهة القتال ، وهل يحتاج بَعضُنَا توجيه الدعوة لينضم الى كتيبة المقاتلين من أجل الحياة قبل الوطن؟!، كنت أتحدث مع البعض عما يجب أن نفعله وكيف يصطف الجميع فى لحظة فارقة مثل تلك التى نعيشها لننصر بلدنا؟، فاقترح البعض أن نعد قوائم بأسماء الإرهابيين ورؤسهم المدبرة وننشر صورهم فى جميع وسائل الإعلام، وصحف وقنوات فضائية، ونهيب بالمواطنين أن يساندوا الوطن بالإبلاغ عن أى معلومات تقودنا للقبض على هؤلاء ، وأن تخصص مكافآت مالية مغرية تزيد كلما كان الصيد ثمينا ويمكن أن يمول الفكرة عددا من رجال الأعمال فلا تتكلف ميزانية الدولة شيئا، الإرهاب الذى يشترى ولاء ضعاف النفس يجب أن نحاربه بنفس المنطق، هذا الإجراء وحده كفيل بأن يجعل المتطرفين وميليشياتهم هاربون ومطاردون ومنبوذون لا يجدون مأوى أو ملاذًا آمنًا يجب أن نفعل شيئا جماعيا من هذا النوع الذى يحشد المواطنين، فهم أصحاب المصلحة والمستفيد الأول من تطهير مصر من الجماعات الإرهابية المارقة.