في عالم السياسة لا عداء دائم ولا صداقة دائمة بل مصالح فقط فالسياسة في الأساس صراع من أجل المصالح، والمصالح هي التي تشكل علاقات الدول وهذا ما ينطبق علي التوتر الاخير في علاقة واشنطن بحليفتها السابقة تركيا.. فالأزمة الدبلوماسية القائمة حاليا بين الولاياتالمتحدةوتركيا، بدات الاسبوع الماضي حين اوقفت السلطات التركية موظفا تركيا في القنصلية الامريكية للاشتباه بارتباطه بمحاولة الانقلاب العام الماضي. وردت واشنطن بتعليق خدمات منح التاشيرات لغير المهاجرين في سفاراتها وقنصلياتها في تركيا، ما دفع تركيا إلي الرد بالمثل. زادها حدة اعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان بلاده لم تعد تعتبر السفير ممثلا للولايات المتحدة في تركيا في خطوة سارعت واشنطن إلي التنديد بها مؤكدة دعمها لسفيرها.. ومن غير المسبوق في تاريخ العلاقات الامريكية التركية أن تعلن أنقرة انها لم تعد تعترف بسفير واشنطن لديها. المتابع لمجريات الامور يري ان الأزمة الجديدة بين الحليفين السابقين ليست وليدة اللحظة بل هي نتاج عدد من الازمات المتتالية خلال السنوات القليلة الماضية والتي تركت بدون حلول حتي وصلت إلي الازمة الاخيرة والتي تعتبر الأسوأ في علاقات البلدين.. فالخلافات بين الطرفين كانت تحدث ويتم تداركها لكن في الاونة الاخيرة تراكمت الازمات في العديد من الملفات والقضايا كانت أهم مسألتين عصيتين علي الحل وألقتا بظلالهما علي علاقات البلدين هما تعاون واشنطن مع الاكراد في سوريا وقضية الداعية التركي المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله جولن وتبعها ازمات صغيرة زادت الامر سوءا مثل معارضة واشنطن للاستفتاء الرئاسي الذي اجراه اردوغان ثم توجيه واشنطن تُهما جنائية لثلاثة من حراسه بتهمة الاعتداء علي متظاهرين أثناء زيارة الرئيس التركي لها في مايو الماضي والمطالبة بتسليمهم وان رد اردوغان الاخير بالتوجه نحو روسيا ولاحقا لطهران والتوقيع علي صفقة صواريخ »إس 400» كانت الخطوة التي وصفت بالقشة التي قصمت ظهر العلاقات مع واشنطن. اولي الازمات ظهرت منذ عامين تقريبا عندما اصبح القضاء علي تنظيم »داعش» الارهابي في سوريا محور المساعي الأمريكية ولجأت واشنطن إلي تقديم السلاح والدعم الجوي والمستشارين العسكريين لقوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الاكراد عمودها الفقري وهذه القوات باتت الشريك الموثوق لدي واشنطن للقضاء علي داعش في سوريا والتي تقول عنها انقرة إنها تتلقي اوامرها من حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل حصول الأكراد علي حكم ذاتي جنوب شرق تركيا. وقد رفضت واشنطن كل عروض تركيا بمشاركة جيشها في قتال التنظيم بشرط تخلي واشنطن عن المقاتلين الاكراد المرتبطين بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. بعد ان اعتبرت واشنطن تلك القوات شريكا فعالا علي الأرض في محاربة تنظيم داعش. واستطاعت تلك القوات طرد داعش من عين العرب ومن العديد من القري التي كانت تحت سيطرة التنظيم.. ونشرت واشنطن قواتها علي الحدود مع تركيا لتفادي احتمال إندلاع مواجهات بين القوات التركية والمقاتلين الاكراد بعد تهديدات اردوغان باجتياح المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد في سوريا.. واتهام واشنطن بدعم القوي والأطراف التي يراها ارهابية مثل تنظيم داعش ووحدات حماية الشعب الكردية الجناج المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وتصاعدت الخلافات مري اخري بين الطرفين مؤخرا بعد ان تم الاعلان عن اقامة فيدرالية شمال البلاد حيث يسيطر المقاتلون الاكراد حاليا علي ربع مساحة سوريا وعدد كبير من حقول النفط والغاز وهو ما يثير قلق تركيا ومعارضتها الشديدة. وبعد استفتاء اقليم كردستان العراق علي الاستقلال باتت تركيا تري أن المشروعين الكرديين في سورياوالعراق يكملان بعضهما وان واشنطن تساهم في تعزيز موقف الاكراد في سوريا علي الاقل من منظور تركيا. الازمة الثانية محاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا العام الماضي وغضب تركيا من الموقف الامريكي الرافض لتسليم فتح الله جولن المقيم في ولاية بنسلفانيا والذي تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب ولاتزال حكومة انقرة تربط بقوة بين الانقلاب وبين رفض واشنطن تسليم جولن. ويتهم مسئولون اتراك الولاياتالمتحدة بان لها يدا في محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو العالم الماضي، والتي تتهم انقرة جماعة الداعية المقيم في الولاياتالمتحدة فتح الله جولن بالوقوف خلفها. ونفت واشنطن هذه الاتهامات التي وصفتها بانها نابعة من نظرية مؤامرة هزلية، فيما نفي جولن نفسه أي صلة بمحاولة الانقلاب وكانت السلطات التركية قد القت القبض علي قس يدعي اندرو برانسون يشرف علي كنيسة في مدينة إزمير علي ساحل بحر ايجه في اكتوبر العام الماضي بتهمة الانتماء إلي شبكة جولن واقترح اردوغان في سبتمبر علي الولاياتالمتحدة تسليم جولن مقابل الافراج عن برانسون الا ان واشنطن لم تبد أي تجاوب مع هذا الاقتراح. كما اظهرت انقرة ايضا غضبها من القبض علي محمد حقان أتيلا نائب مدير عام »بنك خلق» الحكومي في الولاياتالمتحدة لاتهامه بمساعدة إيران علي الالتفاف علي العقوبات الأمريكية المفروضة عليها من خلال التعامل مع رجل أعمال تركي-إيراني يدعي رضا ضراب وغيره لتحويل ملايين الدولارات بصورة غير قانونية عبر مصارف أمريكية إلي الحكومة الإيرانية ومؤسسات في إيران. وضراب موقوف ايضا في الولاياتالمتحدة ولا يقتصر الخلاف بين الطرفين علي هذا الأمر حيث رفضت كل من ادارة اوباما وترامب الكثير من المقترحات التركية المتعلقة بالأزمة السورية من بينها مقترح المنطقة الآمنة، ودعم اللاجئين السوريين داخل الأراضي السورية، وتسليح المعارضة المعتدلة وهو الامر الذي أفضي إلي انعدام الثقة بين البلدين وأدي إلي تراكم عدد كبير من الملفات الخلافية بين الجانبين، والتي تصل إلي حد التناقض في كثير من الاحيان علي الرغم من كونهما عضوين في حلف شمال الأطلنطي. ورغم ان الازمة الدبلوماسية ادت إلي انخفاض سعر الليرة التركية وانخفاض أسعار أسهم شركات الطيران التركية وتراجع مؤشر البورصة ومع ذلك يري انتوني سكينر من مؤسسة »فيرسك مابلكروفت» البريطانية للاستشارات انه في المخاطر السياسية لا توجد توقعات بحدوث قطيعة كاملة في العلاقات بين الدولتين لكونهما عضوين في حلف الاطلنطي لكن ليس من الوارد ان تهدأ الأزمة الحالية بينهما بسهولة.