أتابع كغيري من المهتمين والمتخصصين بالشأن الإسرائيلي غضبة بعض مثقفينا من انتشار كتاب »الملاك» الذي ألفه رجل المخابرات الإسرائيلي أوري بار يوسف وأراد فيه إثبات عمالة أشرف مروان للمخابرات الإسرائيلية، ثم غضبتهم من ترجمة الكتاب العبري إلي اللغة الإنجليزية لمزيد من الانتشار وأخيراً إنتاج فيلم إسرائيلي - أمريكي عن نفس الكتاب لإتمام المهمة »المقدسة» وهي إنكار التقصير والإخفاق في حرب أكتوبر 1973 ومحاولة التهوين من النصر المصري وتشويه سمعة واحد من الشخصيات العامة المصرية ذات الوزن الثقيل. غضبة مثقفينا موجهة إلي الداخل فهم يتساءلون كيف للآن لم ترد أجهزة مخابراتنا علي الأكاذيب الإسرائيلية؟ حتي أن أستاذي د. ابراهيم البحراوي طالب بفتح الملفات المصرية بل وبإنتاج مسلسل مصري يرد علي الفيلم الإسرائيلي. للمثقفين المصريين كافة الحق في هذه الغضبة، لكني أزعم ان غضبي أكبر. فقد ساهمت صحفنا ووسائل إعلامنا بقصد أو بدون قصد في الترويج لهذا الزيف الإسرائيلي حين أفردت صفحات لترجمات او لعرض الكتاب الإسرائيلي المشبوه وجرت وراء ما تنشره الصحف الغربية من عروض لهذا الكتاب ولم تلتفت إلي الكتاب القنبلة الذي أشار له الدكتور البحراوي وهو كتاب إسرائيلي أيضاً لمؤلفه رجل الاستخبارات الإسرائيلي السابق شمعون منديس بعنوان »جهاد السادات» الصادر عام 2015 ويرد فيه صاحبه علي مزاعم زميله عن أشرف مروان التي نشرها في كتاب »الملاك». أقول ان غضبي أكبر لأنه لا حجة لمثقفينا الغاضبين في إهمال مثل هذا الكتاب القنبلة. فقد كانت صحيفة الأخبار سباقة في تقديم أكثر من عرض وتلخيص في صفحة » من قلب إسرائيل» التي تصدر يوم الأحد وأشرف بالإشراف عليها لكتاب »منديس» فور النشر عنه في إسرائيل. أكثر من هذا سعينا حثيثاً للحصول علي النسخة العبرية من الكتاب فور صدوره في إسرائيل إلي أن تلقيناها بطرقنا الخاصة ودون مساعدة من أحد بعد عناء وبحث شديدين. وعكف الزميل محمد نعيم علي تلخيص وترجمة الكتاب في وقت قياسي لتتلقفه مطابع أخبار اليوم ويخرج إلي النور بعد أشهر معدودة في نسخته العربية الموجزة بعنوان: »رجل السادات في الموساد- اعترافات جنرال إسرائيلي عن أشرف مروان». هنا يجب توجيه الشكر والعرفان للأستاذ ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم الذي تحمس لفكرة عرض الكتاب ونشره عن طريق قطاع الثقافة في أخبار اليوم والشكر موصول أيضا للزميلين الأستاذين عزت قمحاوي ومن بعده علاء عبد الوهاب اللذين توليا مسؤولية القطاع. كانت هذه هي هدية »أخبار اليوم» للمكتبة العربية، نسد نقصاً تكاسل غيرنا عن سده، لم نقف عند جلد الذات ولا انتقاد التقصير أوالتراخي في إثبات الحق العربي فساهمنا بجهد مخلص واقتناع بأهمية الرسالة الوطنية في توطيد أركان النصر المصري بالرد علي التخاريف الإسرائيلية، من خلال قناعة بأنه إذا كانت الأجهزة المصرية لم تبادر بالرد بطريقة ما علي التخاريف الإسرائيلية لاعتبارات تخصها فقد بادرت أخبار اليوم بذلك ونقلنا شهادة شاهد من أهلها من داخل الموساد تدحض كل المزاعم الإسرائيلية، رغم التعتيم الذي فرض علي الكتاب في إسرائيل حتي ان مؤلفه شكا من رفض دور النشر له إلي أن اضطر إلي طبعه علي مسؤوليته وعلي حسابه مما تسبب في محدودية توزيعه في داخل إسرائيل نفسها وكان هذا أحد أسباب صعوبة الحصول علي الكتاب. أقول غضبي أشد من المثقفين وعتابي عليهم أيضاً لأن الكتاب بنسخته العربية متوافر في المكتبات المصرية منذ بدايات العام الماضي، ولم يحظ منهم بالانتباه اللائق ولا بالدعاية المناسبة له. الكتاب في مجمله يؤكد أن أشرف مروان لم يكن عميلاً لإسرائيل، ولا حتي عميلاً مزدوجاً، بل إنه كان رجل السادات داخل الموساد نجح في زرعه وإقناعهم بولائه واستطاع من خلاله وعبر ما يسلمه لهم من معلومات ان يضللهم ويجعلهم يرقصون طرباً في الوقت الذي كان يقدم لهم السكين الذي يذبحون به أنفسهم. أخيراً أرجو أن يكون هذا الكتاب هو نقطة الانطلاق لعمل آلة إعلامية وطنية منظمة تضارع الآلة الصهيونية في إعداد وتوجيه العقول فمعرفة الآخر ضرورة تثبتها الأيام دائماً.