لم أكن أنوي العودة للكتابة مرة أخري عن وزير التعليم د. طارق شوقي للعديد من الاعتبارات أولها أن لدينا الكثير من الهموم الأخري التي تستحق تناولها والكتابة عنها علي الرغم من أن همّ التعليم هو أحد أولوياتي لأنه يشغل بال ثلاثة أرباع البيوت المصرية، ولأنه يجب أن يشغل حكومتنا العصماء من أجل النهوض بالوطن، حيث الاستثمار في البشر من وجهة نظري هو أساس كل الاستثمارات الاقتصادية الأخري، وعلي الرغم أيضاً مما تعبّأ به الحوار الذي نشرته الشقيقة أخبار اليوم من تجاوزات وزير التعليم وأفكاره البعيدة عن الواقع بل ومستحيلة التحقيق؛ وكانت كل واحدة منها تستحق أكثر من مقال منفرد. كنت أعتقد أن الموضوع قد قتل بحثاً، ووقر في ظني أن الملف يجب إغلاقه بعد المقال الحاسم الذي نشره الزميل العزيز عمرو الخياط رئيس تحرير أخبار اليوم، لاسيما بعدما تراجع الوزير نفسه عن إساءته للمعلمين وخرج رئيس الوزراء بتصريحات ترضية لهذه الفئة صاحبة الرسالة النبيلة في إجمالها. إلا أن الوزير كما يبدو يصعب عليه الاعتذار العلني أمام جموع المدرسين وفي مواجهتهم ؛ وبدلاً من الاعتذار عما يمكن اعتباره زلة لسان واصل الإنكار أمام جموع من المعلمين في المؤتمر الأول لمعلمي المدارس الحكومية الذي عقد بالجامعة الأمريكية وحينما سألته إحدي الحاضرات عن سبه للمعلمين ووصفه لهم »بالحرامية» لجأ إلي الأساليب الفولكلورية الملتوية فقال حسبما نشرت صحيفتا المصري اليوم والوطن : »اللي بلغك هو اللي شتمك» !! وحين شعر أنه سيعود لمناطحة صحيفة عريقة كأخبار اليوم لجأ إلي التراجع الممنهج فأردف قائلاً: لن أدخل في سجال مع أي مؤسسة صحفية وأنا أقدر دور الإعلام الهادف واحترم المعلمين»! حقاً ؟ سنصدقك يا معالي الوزير لكن دعني أسألك: وهل تجرؤ معاليك علي مثل هذا السجال الذي تتظاهر بالترفع عنه بينما أنت تعلم جيداً أن كلامك كله موثق ومسجل بالكامل، يا معالي الوزير أنت تعلم جيداً أن ما نشر لم يكن إلا بعضاً مما صرحت به وربما كان ما خفي منه أعظم، بل لعلي لا أبالغ إن قلت إنه كان من واجبك أن تشكر الصحيفة علي عدم نشرها كل أقوالك، فالجريدة العريقة لا تستدرج مصادرها أو تنصب لهم الكمائن. ولإنها عريقة فربما تكون قد ظللتك بحمايتها بعدم كشفها لكل زلات لسانك فكم من زلات لسان لمسئولين أودت بمناصبهم وأطاحت بهم رغم كفاءتهم، وزلة مثل تلك الخاصة بالمعلمين لا تقل فداحة عن الزلة التي مست أولاد البوابين والقضاء. الانسحاب من الأزمات مسلك لا يليق لكنه المسلك الذي يعجب وزير التعليم حينما يخفق في حل إحدي الأزمات مثل أزمة الدروس الخصوصية والسناتر وأزمة تصريحاته عن المدرسين وأخيراً أزمة الفشل في تدريس مادة الكمبيوتر وإعداد المناهج وتوفير الكتب المدرسية لها، فكان الحل هو إخراجها من المجموع مثلها مثل مادة الرسم التي تحتاج مهارات وملكات ربانية فالسيد الوزير وكل خبراء التعليم في وزارته ساووا بين »الكمبيوتر» مادة العصر والمستقبل بمادة الهواية والمهارات فأخرجوهما معاً من المجموع. الحل السهل عند وزارة التعليم هو اللي »ماتقدرش علي ديّته بلاش منه». ماذا ننتظر من وزارة مهمتها تخريج أجيال تنهض بالوطن وإعداد عقول منتجة وتغذية روح الابتكار في النشء بينما تسند مهمة وضع الخطط في يد مجلس أعلي يختار الوزير كل أعضائه وتنفق 80% من ميزانيتها علي الرواتب والمكافآت والحوافز حسب تصريح الوزير نفسه بينما ينفق الباقي علي العملية التعليمية ؟ في القلب المزيد لكن دعونا نكتفي بهذا القدر وأتمني من الله ألا يضطرنا الوزير بتصريحاته المستفزة إلي العودة لهذا الملف.