كيف تحول شعار »ارفع راسك فوق انت مصري» في ثورة يناير لهذه النتائج التي تعكس اللامبالاة وتفسخ النسيج الاجتماعي ؟ وما علاقة التراجع في صورة المصريين أمام أنفسهم الآن عما كانت عليه في أعقاب ثورة يناير؟ مثيرة جدا نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء تحت عنوان: »رأي المصريين في بعض سلوكيات المجتمع المصري»، النتائج نشرتها جريدة الوطن قبل أيام، أما الاستطلاع نفسه فقد قارن بين رؤية المصريين لأخلاق وسلوكيات المجتمع حالياً، وبين رؤيتهم لما كان عليه الحال ما بعد ثورة 25 يناير 2011. أكثر جوانب الاستطلاع إثارة في رأيي أنه يسأل المصريين عن رأيهم في أنفسهم وكأنه يضعهم أمام المرآة ليعترفوا بعيوبهم بأنفسهم ويحفزهم علي رصد هذه العيوب والبحث عن طرق لعلاجها. لكن الأزمة الأزلية ألا أحد في الكون يعترف بعيوبه هذا إن رآها أصلاً. وهنا يخامر المرء سؤال عبثي : إن كان كل هؤلاء رصدوا العيوب فمن المعيوب إذاً. ومع إن المنشور عن النتائج لم يوضح المنهج الذي اتبعه الاستطلاع، ولم يذكر أية معلومات عن حجم العينة ولا فئاتها العمرية أو الاجتماعية، كما لم يتسن لي الوصول إلي أصل هذا الاستطلاع لاستبيان ما قد يكون قد غمض نتيجة الاختصار عند النشر الصحفي، إلا أنه من الممكن استنباط بعض الملاحظات من البيانات والأرقام المنشورة. من أهم الملاحظات مثلاً أنني لم أفهم الهدف العلمي من الإحالة إلي ثورة يناير والمقارنة بين رأي المصريين في أنفسهم إبانها وبين رأيهم في أنفسهم الآن. فهل المركز صاحب الاستطلاع لم يقم بإجراء استطلاعات سابقة علي ثورة يناير في نفس الموضوع فتكون الصورة لدي باحثيه أشمل وأوضح ؟ هل المقصود مثلاً إثبات أن ثورة يناير أخرجت أسوأ ما في المصريين؟ وأنها السبب بشكل ما في تدهور أخلاقيات المجتمع المصري؟ أظن أنه من المهم إجراء هذه المقارنة أصلاً بين حقب زمنية مختلفة ارتبطت بظروف اجتماعية وظواهر سياسية عاشها الشعب المصري لنعرف السياق الأخلاقي الذي يسير فيه المصريون. وكيف كان رأيهم في أنفسهم من قبل لكي نرصد بشكل علمي جاد كيف حدث التحول، ومتي، ولماذا؟ ولكي نتيح للخبراء النفسيين وعلماء الاجتماع دراسة التحولات الخطيرة التي طرأت علي أخلاق وقيم المصريين وقبل ذلك علي رأيهم في أنفسهم فلا تتحول الانطباعات التي تلوكها الألسنة في الشارع إلي حقائق يتناقلها الناس تهزمهم وتقلل من شأنهم. فمثلا رصد الاستطلاع أن المواطنين يرون وجود زيادة في غش المنتجات والبيع، مقارنة بما رأوه خلال 2011، حيث رأي 64% من عينة استطلاع العام الحالي انتشارها بشكل كبير، مقارنة ب41% خلال الاستطلاع الذي أجري قبل 6 أعوام، بزيادة قدرها 23%.. الظاهرة معروفة بالطبع لكن العواجيز من أمثالي أدركوا زمناً في سبعينيات القرن الماضي كانت فيه قضايا الغش واستيراد الأغذية الفاسدة وتدويرها وتغيير مواعيد الصلاحية منتشرة بشكل كبير. الدراسة العلمية المتصلة ستبين لنا هل حدث انقطاع لهذه الظاهرة ثم أطلت برأسها من جديد أم أنها مستمرة من تحت المنضدة كالفيروسات الخاملة تنام وتصحو كل فترة. أعتقد أنه من المفيد مثلا لو قارنا رأي المصريين في أنفسهم قبل حرب أكتوبر وبعدها.. بل حتي قبل ثورة يناير وبعدها. الملاحظة الثانية والمحزنة أن تكون النتائج المنشورة معبرة حقاً عن رأي المصريين في أنفسهم وأن يحدث هذا الصدع النفسي فتصبح صورة المصريين أمام أنفسهم بهذه الوضاعة والخسة والعدمية بدلاً من مشاعرهم السابقة بالعزة والفخر والاعتداد بالذات. هنا أظن أنه لا يجب الاكتفاء برصد الظواهر ولكن من المهم التعمق فيما وراء أسباب حدوثها. لنعرف مثلا هل للفهلوة »جين» أصيل متمكن من الشخصية المصرية أم أنها ظاهرة موسمية ترتبط بما يلحق الأحداث الجسام أو تداعياتها. وكيف تحول شعار »ارفع راسك فوق انت مصري» في ثورة يناير لهذه لنتائج التي تعكس اللامبالاة وتفسخ النسيج الاجتماعي وما علاقة التراجع في صورة المصريين أمام أنفسهم الآن عما كانت عليه في أعقاب ثورة يناير. مع ذلك فقراءة الأرقام المنشورة تبين تحسناً في نظرة المصريين لأنفسهم من حيث اتقان العمل وليس تراجعا كما أشار التقرير الصحفي.. فلا داعي لجلد الذات ولندقق النظر إلي أنفسنا جيداً.