في إطلالته التليفزيونية النادرة مع قناة القاهرة والناس أسهب الأنبا بولا أسقف طنطا والمناطق المحيطة بها في وصف أحداث وملابسات الاعتداء الآثم علي كنيسة مار جرجس بطنطا وشرح كيف أن العناية الإلهية أنقذته وأنقذت نيافة البابا تواضروس كما أنقذت كثيراً من أرواح المطارنة والأطفال. في حديثه للقناة قدم الحبر الجليل ما يمكن اعتباره »خارطة طريق» واضحة ومحكمة لتأمين الكنائس كما تطرق لسبل التخلص من التشدد الفكري والتمييز ضد الأقباط عن طريق الاهتمام بالتعليم والثقافة وتطوير المناهج الدراسية، شرح كيف أن هذه الكارثة وضعت يده علي كثير من مواطن الخلل والقصور مما أدي إلي بعض التصرفات التي أغضبت عائلات الضحايا لكن التصرف الحكيم في إدارة الأزمة هو الذي دفع إلي تلك الإجراءات الاستثنائية غير المألوفة. كثير من الكلام المهم قاله الأنبا بولا ويستحق الإنصات من أجهزة الدولة المعنية لو خلصت الإرادة وصدقت النية في مكافحة الإرهاب والتمييز ضد الأقباط. قد يبدو ما قاله الحبر الجليل - علي أهميته - مألوفاً ومتداولاً علي ألسنة العامة لذلك قد يكون من المجدي الاهتمام بتدبر ما لم يقله أو ينطق به بالبحث عنه بين السطور. فالرجل يعرف قدر نفسه جيداً ويقدر مسئولية وهيبة المنصب الذي يتولاه بما يفرض عليه قدرا من التزام الصمت في بعض الموضوعات أو الاكتفاء بالتلميح دون التصريح. وبالإمكان رصد بعض العناوين العامة التي ألمح إليها الأنبا بولا دون أن يجاهر بها لعلنا نحاول أن نضع إجابات شافية وعادلة لتلك العناوين. أولاً: حجم التقصير في تأمين الكنيسة، والعوامل الأخري التي ساعدت المجرم علي تنفيذ الهجوم. وتحت هذا العنوان وحده ترد الكثير من التساؤلات عن كيفية تعامل الكنيسة وأجهزة الأمن علي حد سواء مع المعلومات الاستباقية التي أكدت وجود شخص غامض يجمع معلومات مهمة عن الكنيسة من داخلها قبل الحادث بأيام. وعن كيفية الاستعداد الأمني لمناسبة كبري مثل مناسبة أحد الشعانين في كل من الكنيسة ذاتها وأجهزة الأمن في ظل ملحوظة متكررة منذ سنوات للأسف وهي اقتران المناسبات الدينية المسيحية بوقوع حوادث إرهابية، ثم عن مدي التنسيق أو التواكل ( كما حدده الأنبا بولا ) بين الأجهزة الأمنية الرسمية والأمن الإداري للكنيسة فمسئول الأمن الإداري للكنيسة لم يكن متواجداً بموقعه حسب كلام الأنبا. العنوان الثاني يتعامل مع مدي استعداد رجال الأعمال للمساهمة في توفير وسائل التأمين الإلكترونية الحديثة لحماية الكنائس أو »الأهداف» وفقاً لكلام نيافة الأنبا وأيضاً في توفير ثلاجات الموتي في المستشفيات الجامعية علي الأقل بالمحافظات والمدن الكبري تحسباً لأية كوارث - لا قدر الله- قد تكون طبيعية وليس بالضرورة ناتجة عن حادث إرهابي. وهنا قد لا ترضينا النتيجة بالنظر لضآلة مساهمات الأثرياء في تنمية المجتمع مقارنة بحجم »العشم» فيهم. العنوان الثالث يدور حول اتهام الأزهر الشريف كجامع وجامعة - في تفريخ أجيال من الدواعش أو المتشددين دينياً كما يعتقد البعض، وأظن أن هذا ما كان الأنبا بولا يقصده بحديثه عن »الموضوعات الحساسة التي يجب أن يتم تداولها بصراحة ولكن في الغرف المغلقة». لقد ألهمته حصافته - علي عكس كثير من الشخصيات العامة الآن- عدم التفوه بكلمة مسيئة للأزهر ولمناهجه الدراسية إلا بالخير حين شكر صراحة في آخر الحلقة التوجه لتعديل المناهج الأزهرية وحذف كل ما يشجع علي العنف والكراهية وعدم قبول الآخر. وذلك علي الرغم مما قد يجيش بنفسه من ملاحظات وهنا أتساءل عن موقع ودور »بيت العائلة» فيما نشهده من أحداث أم أنه يقصر نشاطه علي أحداث الفتنة الطائفية دون غيرها؟ وماذا عن دوره في تهجير الأقباط؟