هل يمكن خلط السياسة بالدين ؟ .. سؤال بسيط لكنه هو تحديدا أس البلاء فيما يجري في مصر ومعظم الدول العربية والاسلامية علي مدي التسعين عاما الماضية أو ما يزيد وتحديدا منذ سقوط الخلافة العثمانية نهائيا في 29 أكتوبر 1923 عند قيام الجمهورية التركية علي يد مؤسسها مصطفي كمال أتاتورك ، التي تعتبر حاليًا الوريث الشرعي للدولة العثمانية . فقد كان هذا السقوط وما تلاه من تغير في الخريطة العالمية سببا رئيسا وراء ظهور جماعة الاخوان في مصر في العام 1928 بهدف رئيسي هو اعادة الخلافة العثمانية عن طريق اظهار صورة الاسلام الصحيح ثم فرضه من خلال الوصول الي السلطة بالتأكيد علي أن السعي للحكم هو فرض علي المسلمين . وجاء ذلك في تجاهل "فاضح " لحقيقة أن لفظة (السياسة) لم ترد في القرآن الكريم، لا في سوره المكيِّه، ولا المدنيِّه، ولا أي لفظة مشتقة منها وصفا أو فعلا. ويخلو (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) تماما من أي ذكر لهذه الكلمة أو أي من مشتقاتها . كذلك يتجاهل هؤلاء - الذين يفتون بغير هذا - الفارق اللغوي الجوهري بين معني الحكم أو الملك "بضم الميم " وبين العمل السياسي . ذلك أن مؤهلات الدعاة لا يمكن أن تصلح لمن يعملون بالسياسة . ولو تأملنا المعني اللغوي لكلمة سياسة في اللغة لوجدناها مشتقة من الفعل ساس يسوس فيقال : ساس الدابة أو الفرس: إذا قام علي أمرها من الترويض .. وهذا يعني ببساطة قدرة السائس علي التحايل علي الدابة لدفعها الي فعل ما يريد من مصلحة . وهو معني يتفق كثيرا مع تعريف موضوعي للسياسة بأنها فن الممكن . فلو توقفت الدابة بسائسها في عرض الطريق فهو يهرع بالنزول إليها محاولا التعامل معها بلطف بالربت علي رقبتها أو منحها طعاما تحبه - عكس مشاعر الغضب داخله - حتي تسير ولا تعطل مصالح الناس . وأظن أن هذا المعني أو المفهوم هو الأصل الذي أخذ منه سياسة البشر، حيث السلطة السياسية تعني القدرة علي جعل المحكوم يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد . ويقال "أسايسه" بمعني أفاوضه كي أحصل منه علي شيء مقابل اعطائه شيئا آخر . فالسلطة السياسية تعرف إجرائيا - حسب تعريف عالم الاجتماع الأمريكي هارولد دوايت لاسويل (1902- 1978) - بأنها السلطة التي تحدد من يحصل علي ماذا (المصادر المحدودة) متي وكيف. وعرف الواقعيون السياسة بأنها فن الممكن أي الخضوع للواقع السياسي - الي حين ذ حتي يتم تغييره بعد ذلك بناء علي حسابات القوة والمصلحة. ووصل الأمر ببعض التعريفات - في هذا الاطار - الي وصف السياسة بأنها في جوهرها فن الكذب بمختلف درجاته . وعليه يصبح الخلط بين السياسة والدين ضربا من ضروب الخيال أو هو محاولة خلط الصلب بالزيت لأن جوهر الدين - أي دين - هو الأخلاق وجوهر الأخلاق الصدق . وفي الحديث الشريف (قال أبو الدرداء وذكر بعضهم قال عبدالله بن جراد : يارسول الله : هل يزني المؤمن ؟ ..قال: قد يكون ذلك ..قال: هل يسرق المؤمن؟ .. قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا.. ثم أتبعها نبي الله صلي الله عليه وسلم : (إنما يفتري الكذب الذين لايؤمنون). وفي تفسيره للحديث يقول الامام الشيخ محمد متولي الشعراوي ان الله سبحانه وتعالي جعل حدا للسرقة أو الزنا في دليل علي إمكان ارتكاب المؤمن لأي من الفعلتين في ظروف أو أخري أما الكذب فهو محظور لأن القبول بوجوده لدي المؤمن قد ينسحب علي شهادة أن لا إله إلا الله . اذن كيف يمكن تقبل فكرة أن يمتهن هؤلاء الذين يتغطون برداء الدين العمل بالسياسة وأساسها علي أقل القليل "التحايل" الذي هو كذب صريح . وللموضوع بقية إن شاء الله .