لا الانبياء أو الحكماء أو الزعماء أو المصلحون يموت أحد منهم فهم يلقون الله ولكن عطاءهم ونتاج أعمالهم وعصارة أفكارهم تبقي لمن أراد بها ان يقتدي أو يهتدي أو يستنير. وها هو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات »أبوعمار« الذي اغتيل بخسة ونذالة من عصابات صهيون ومن شاركهم ووالاهم من الخونة والعملاء من بلاد العرب وأمة المسلمين والتقرير الطبي السويسري الذي اثبت وجود مادة البلوتونيوم المشعة في أغراض عرفات من ملابس وادوات وأوراق واطعمة ومشروبات يعد دليلا دامغا علي الجريمة التي كانت هناك قرائن عديدة علي وجودها بعد حالة المرض الغريب التي اصيب بها الزعيم والعجز الطبي عن تشخيصه للحالة المرضية أو ايجاد دواء ناجع لها حتي الوفاة. كان عرفات الذي بدأ حياته أو شبابه في حركة الإخوان المسلمين ثم انفصل عنها بعد ان اكتشف ان قضية الشعب الفلسطيني بابعادها الإقليمية والدولية أكبر من حجم الانطواء تحت راية جماعة مع انفصاله التام عن حركة الإخوان فان التربية الايمانية التي ترعاها الجماعة لانصارها كانت عونا له في جميع المواقف الصعبة والخطرة علي القضية وعلي حياته الشخصية وها هو بعد رحيله عن عالمنا في العام 6002 يعود ليفرض نفسه علي خريطة الأحداث في العالم اجمع وتوقيت ظهور هذا التقرير الذي كان فحواه قد تم تسريبه منذ سنوات دون تأكيدات لجهات متخصصة لا يجعلنا نستبعد اعتباره جزءا من حركات التسريب للوثائق والمستندات الأمريكية في »ويكليكس أو مستندات لتنصت العميل المزدوج »سنودن« وان كانت علي شكل مضاد لويكليكس أو سنودن التي كان مخططا لها اضعاف النفوذ الأمريكي واثارة شعوب وقادة العالم ضد قيادة أمريكا في العالم وظهور هذه النتائج الخاصة بوفاة أو اغتيال عرفات في خضم مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية متعثرة، يرجح ان تكون بمثابة أداة ضغط علي عملية التفاوض المتعثرة بسبب الاستيطان الإسرائيلي خارج القانون الدولي وعلي الرغم من الارادة الدولية والتهديد الرسمي الفلسطيني بالانسحاب من التفاوض ومع ان عملية اغتيال عرفات تمت من خلال ارادة جماعية توافقت عليها عدة دول، فقد كان هذا التوافق يهدف ان تحيط هذه الأطراف أي حركة أو دعوة لتكشف عن ملابسات وفاة عرفات وجريمة الاغتيال، الا ان لعنة عرفات قد اصابت كلا من بوش الابن الذي ضرب بالاحذية وخرج من الرئاسة مهينا وشيراك التي تلاحقه الفضائح والاحكام بالسجن وشارون، الذي مات اكلينيكيا منذ سنوات ثم مبارك المخلوع والملاحق باحكام الادانة، والملك عبدالله الذي يواجه صعوبات سياسية واقتصادية وتحديات متنوعة فان الجريمة لم يشارك فيها أي من هؤلاء شخصيا فيما عدا شارون ودولته إسرائيل واطراف فلسطينية خاصة من حركة فتح والمرجح انتماؤها لمجموعة عباس ودافع هؤلاء رفضهم لأسلوب عرفات الذي كان يجمع بين التفاوض والعمل المسلح ورغبتهم في اختيار مسار واحد فقط هو التفاوض وبالتالي فحتي الآن تبدو اثارة القضية برغبة الضغط علي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خاصة ان ردود الفعل في الطرفين: المريب يقول خذوني فإسرائيل تزعم انها غير معنية بالأمر مع ان عرفات كان محاصرا من جميع الجهات في المقاطعة منذ 2002 وتقوم إسرائيل بتفتيش كل ما يدخل إلي المقاطعة ومصادرة كل شيء من الاطعمة والمشروبات والاغراض والادوات التي تصل إلي عرفات في موقعه المحاصر، ثم انها هي الدولة التي لا رقابة علي منشآتها النووية ولا أبحاثها.. أما السلطة الفلسطينية فلم تبادر باية خطوات قوية للتحقيق في الأمر والكشف عن المتورطين بشكل اساسي في الجريمة أي المنفذين لها وكذلك جمع الأدلة التي تثبت تورط الطرف الآخر إسرائيل بشكل مادي في الجريمة ثم ما إذا كان الجانب الفرنسي متورطا أو متواطئا في منع العلاج اللازم حتي تصل الجريمة إلي مداها، فقد كان شفاء عرفات بمثابة فضح للأطراف المشاركة والمتواطئة وكان دفن الحقيقة في قبره مطلوبا وهو ما يؤدي إلي انه يخفف من درجة الضغوط التي تواجهها الإدارة الحالية لان هناك أطرافا هي المنفذة لعملية قتل عرفات ولكن مازالت تفاصيل الجريمة وادواتها ومنفذيها وهي المؤشر الحقيقي في الرغبة في الدفاع عن عرفات، زعيم عاش ومات من أجل شعبه ، والضغوط الشعبية الفلسطينية والعربية يمكن ان تغير من الوضع وتجعل التحقيق ذا أهمية وان كانت القوي الكبري هي التي ستتحكم في المسار الفعلي.