د. محمود عطية لاأظن أن دستور أي شعب محترم يريد تحويل شعبه إلي قطيع يستمع لرأي واحد.. رأي "الحادي" محرك القطيع أو الرئيس..كما أنني موقن انها خصلة لم تعد محبوبة في أي دولة من دول العالم خاصة في عصر الحريات والسيولة المعلوماتية عبر السماوات المواربة.. فالاستماع لكل الآراء بحرية وعلي غلظتها والاستنارة بها أحد مقاييس تقدم المجتمعات وأهم أولويات الدساتير الحديثة..! كما أن من مهمة الدساتير المستنيرة هي الحفاظ علي حرية الرأي حتي ينمو رأي عام مستنير يساند متخذ القرار وينير الطريق للبلاد.. والرأي العام الحقيقي هو وليد حرية الرأي ويعد قوة ضاغطة يمكن استخدامها في إلغاء القوانين التي تعصف بكل أنواع الحريات من أجل بناء إنسان المستقبل..! والحريات المبتغاة في الدولة الحديثة تبدأ من حرية الرأي وتمر بالعديد من الحريات مثل حرية المأوي وحرية الامتلاك وحرية الاعتقاد وحرية التعليم.. واذا ما تم صيانة هذه الحريات دون تمييز ودون تأثير الآخرين عليه قسراً أو عنوة، فإنه يمكن إيفاء حقوق الوطن والمساهمة فيه من حيث البناء والتشييد الجدي بعد عقود من التسلط والهدم المنظم التي انهارت خلالها قيم كانت سائدة، ولكنها تمزقت وتناثرت. وإبداء الرأي بكل حرية ودون خوف لابد من حمايته دستوريا والعمل علي تحقيقه عمليا..ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين الحاضر بثقله الأمني المنفلت وبين الماضي القريب زمن الطاغية..نجد الأمر لا يختلف كثيرا من حيث التمسك بالعقيدة والدفاع عنها، حينما كانت يوما ما انجح سلاح في وجه التسلط حتي جعلت النظام الدكتاتوري يطارد أبناء الوطن من اجل قمع الرأي والفكر، واليوم يتكرر نفس السيناريو ولكن بأساليب مختلفة وهي ذات الأصابع ولكن بشكل خفي هذه المرة يحركها أيتام الدكتاتورية وبقاياه ومن تبعهم من المتعصبين الجدد. وإذا كان كل فرد قادراً علي التعبير عن نفسه.. لايعني هذا التعبير عن الذات ضد المجموع.. إنما التعبير عن الأنا لصالح المجموع.. والتعبير الحر يستمد أبعاده من الأجواء الديمقراطية ومن نهج التسامح وقيم الخير وقبول الآخر والتعاطف مع الآخرين وإنشاء المودة بين الناس مهما كانت مذاهبهم أو أجناسهم أو أديانهم أو اتجاهاتهم.. وفي ظل الأنظمة الديمقراطية علي الأفراد احترام حقوق الآخرين.. إن لم يكن من باب اللياقة، فمن باب المفهوم الأساسي القائل بأن انتقاص أو تقليل أو سلب حقوق فرد واحد يعني فقدان هذه الحقوق بالنسبة لجميع الناس. ولأن في حرية الرأي حاجة حلوة.. تطلعت إليها الإنسانية.. وكافحت من أجلها وضحت أجيال من أجل تحقيقها حتي تتحقق انسانية الانسان وخير البلاد.. وبدايات التقنين الفعلي لحريات التعبير جاءت حين أصدر البرلمان الانجليزي بعد الاطاحة بالملك جيمس الثاني عام 1688 قانون "حرية الكلام في البرلمان"..واستمر الكفاح حتي توج بإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية الذي نص علي أن حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطن.. وكانت هناك محاولات في الولاياتالمتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي والتعبير حقا أساسيا لكن الولاياتالمتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي والتعبير حيث حذف هذا البند في عام 1798 واعتبرت معارضة الحكومة الفيدرالية جريمة يعاقب عليها القانون ولم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بين السود والبيض. وقد ساند المفكرون حرية الرأي والتعبير كنشاط انساني كاشف للحقيقة وحق اصيل حيث قال الفيلسوف جون ستيوارت ميل وهو من اوائل المنادين قال : "إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة". فمن يعمل علي قتل حرية الرأي كمن يعمل علي قتل الناس جميعا.. ومن احياها كمن احيا البلاد والعباد.. الم نقل فيها حاجة حلوة..!