أخشى أن تكون أوضاعنا الداخلية قد وصلت إلى حالة «اللا سلم واللا حرب» فخلال العامين الماضيين وقعت أحداث عنف خطيرة لم تصل بفضل الله وحده إلى حرب أهلية وخلال العامين الماضيين أيضاً بذلت محاولات للوفاق لكنها لم تنجح فى استعادة السلم الأهلى كاملاً بين المصريين. ومن الواضح أننا كلنا أخطأنا أطلنا المرحلة الانتقالية فدخلنا بالبلد فى حالة معلقة: حالة من اللا سلم واللا حرب وليس فى السياسة أسوأ من الأوضاع المعلقة لأنها تدفع باستمرار إلى القلق وقد تنجرف بالأمور فى أى لحظة إلى عنف زائد قد لا يمكن احتواؤه إلا بتكلفة باهظة. ومع أن تعبير «اللا سلم واللا حرب» ليس جديداً فقد جرى استعماله من قبل فى حالة الصراع العربى - الإسرائيلى إلا أن استخدامه فى وصف الحالة الداخلية المصرية يبقى ممكناً بل ومفيداً. فى الصراع العربى الإسرائيلى مرت فترات لم يستطع طرفا النزاع خوض حرب كاملة ولا التوصل إلى سلام شامل. ولم يجدا أمامهما خلال تلك الفترات المعلقة بديلاً غير الدخول فى عمليات استنزاف مرهقة ومع أن هناك فوارق بين السياسة داخل الدولة والسياسة بين الدول فإن ثمة أوجه للتشابه بينهما. فسواء شغلتنا الأحداث فى دولة واحدة أو فى إقليم بأكمله أو حتى على المستوى العالمى كله فإن السياسة على أى من هذه المستويات عادةً ما تشهد فترات تميع فيها الأوضاع فتصبح معلقة يصعب حسمها بالقتال أو بالتفاهم، بالحرب أو بالسلام. كلما حاول طرف أن يحرك الموقف يجد نفسه أمام عوائق تعيده إلى الحالة المعلقة من جديد وكلما سعى إلى كسر الجمود سواء بالقوة أو بطرح مبادرة للحل إلا ويكتشف ما يرده إلى وضع اللا سلم واللا حرب. فموازين القوى هى التى تحسم الخلافات السياسية. وموازين القوى تحتاج إلى وقت طويل لكى تتضح وتستقروإلى أن تستقر قد تبقى الأوضاع المعلقة على ما هى عليه وتستمر حالة اللا سلم واللا حرب طويلاً فلا يملك أطراف الخلاف وسيلةً غير استنزاف بعضهم ظناً منهم أن شراء الوقت هو الحل السليم. وفى مصر اليوم شىء من هذا نعيش حالة استنزاف بين الحكم والمعارضة لا الإخوان قادرون على فرض إرادتهم كاملة على المعارضة ولا هم راغبون فى الوصول إلى تسوية منصفة معها ولا المعارضة لديها ما يكفى لحسم خلافها مع الإخوان فى الشارع ولا هى تتعجل الجلوس معهم على طاولة الحوار. انتهينا إلى حكم ومعارضة كل منهما يستنزف الآخر لا يستطيع أحدهما أن يكسب الصراع بالقوة ولا أن ينهيه بالسلام يستنزفان بعضهما ومصر ويتركان كافة أحوالها معلقة. والخطورة فى حالة «اللا سلم واللا حرب» أنها تزيد الدولة ضعفاً وتسهل للخارج اختراق حدودها ومؤسساتها فضلاً عن أنها تدفع بالتيارات الدينية والسياسية إلى المبالغة فى حذرها من بعضها لتصل بالشك المتبادل بينها إلى ذروته عندما لا تجد أمامها سبيلاً لحماية نفسها غير تكوين ميليشيات خاصة أو جماعات مدربة على استعمال القوة لو لزم الأمر. والأمل أن يستفيق الجميع بسرعة حتى نخرج بمصر من حالة «اللا سلم واللا حرب» هذه لنجنبها استنزافاً مؤسفاً يضيع معه الوقت ويتبدد بسببه الأمل الأمر يحتاج من الجميع إلى معالجة سياسية سريعة. فليضعوا المقاعد بسرعة حول طاولة الحوار ولينزلوا «بالأنا» السياسية المتغطرسة سواء عند من فى الحكم أو فى المعارضة حتى نصل إلى تسوية. نريد تسوية سياسية بسرعة لأن استمرار حالة «اللا سلم واللا حرب» لا بد أن يدفع بالبعض إلى محاولة كسرها باللجوء إلى مستوى أعلى من العنف وهذا سيعقد الأمور ويفاقمها كفانا استنزافاً للوطن. كفاناً أوضاعاً معلقة. نقلا عن صحيفة الوطن