كثيرون يعيشون في العالم الافتراضي.. حيث نجد فيه حلولا لمعظم مشاكلنا في دنيا الواقع.. جيبي خاو وليس به مليم واحد. أعيش في العالم الافتراضي وأحلق بجناح الخيال. لأفطر بالقاهرة واتغدي في بحري بالإسكندرية. واتعشي في مارينا. جاري لا يعجبني وينغص حياتي حتي جعلني أكره سابع جار. أفصل جارا علي مزاجي في العالم الافتراضي.. صديقي لا يفهمني وغير مجهز لدماغي أو استيعابي "بعبلي" أهرب وأفر منه إلي العالم الافتراضي كي أستعين بصديق "هاندميد" معه وفي وجوده أغفو هانئا قرير العين ولا أحتاج أن أدندن وأغني "خللي الدماغ صاحي". نفس الشيء بالنسبة للزوجة أو الزوج. وكل شيء لا يعجبنا في تفاصيل التفاصيل بحياتنا. بداء من رئيسي في العمل وحتي البرلمان الذي يمثلني والحكومة التي تحقق مصالحي .. ولذلك اخترعنا المخرج والمنفذ في العالم الافتراضي الذي نتمناه.. ذلك العالم الذي نفترضه.. نحييه ولا نحياه.. نتوقعه لكن نقع علي الأرض ونصطدم بواقعها عندما نفتح عيوننا من الحلم ونفيق علي الكابوس. قد يكون هذا مقبولا علي المستوي الفردي. فمن حقي أن أحلم وأحلق في سماء الخيال والافتراضي. فأنا الذي استمتع بهذا إذا استمتعت. وأنا أيضا الذي سأهوي إلي سابع أرض "وتنكسر جدور رقبتي". إذا وقعت.. لكن المشكلة في كوكب العالم الافتراضي الجماعي. والذي يلجأ أو تلجأ إليه الجماعة أو المجموعة أو النخبة كنوع من الهروب والتنفيث عن الواقع الأليم الذي نعيشه علي الأرض. أو المأزق الذي يحيرنا ويجعلنا عاجزين عن أي اختيار. من هنا وجدنا في العالم الافتراضي. المخرج الذي يريحنا من مأزق شفيق ومرسي. والمحاكمة والعقوبات التي ترضينا بشأن مبارك ونجليه والعادلي والمساعدين الستة.. الطريف أننا رتبنا أمورنا وحياتنا علي ما خططنا له في هذا العالم. لدرجة أننا لم نعد نقبل بأي بديل يمت لأرض الواقع بصلة ..وصل الأمر أننا نهدد بثورة ثانية وثالثة ورابعة إذا فكر أحد أن يسلبنا حقا من حقوقنا التي اكتسبناها في العالم الافتراضي. المحبون لمرسي والمريدون له. مخرجهم العادل والطبيعي أن يغمضوا عيونهم ويفتحوها ليجدوا شفيق قد تبخر وأصبح هواء. وبالتالي بنوا ناطحة السحاب علي أساس الدور الأول الافتراضي وهو أن شفيق غير موجود.. من هنا فالرئيس هو مرسي. وهو وحده الذي عاش الدور. وراح يشكل المجلس الرئاسي ويختار النواب وتلغي انتخابات الإعادة علي افتراض انه لا توجد دولة ولا يوجد شعب اختار - مهما كان اختياره - ولا يوجد قانون يحكم البلد إلا قانون رغبات الإخوان والذي بمقتضاه شفيق لا يجب أن يكون إلا معزولا أو ملقي به في بحر الظلمات. والمحبون لشفيق والمريدون له. نفس الشيء فالبلد مع مرسي لا يمكن أن يتصور أحد حالها حيث تقشعر الأبدان وتنخلع القلوب التي في الصدور. وبالتالي لابد من مخرج في العالم الافتراضي يقول لنا ان مرسي لن يركب الكرسي. حتي ولو وصل الأمر إلي حل مجلس الشعب وتصفير العداد ونقطة ومن أول السطر ليجيء بشر غير البشر وتيارات أخري غير الإخوان.. الذين رمتهم الطير الأبابيل بحجارة من سجيل. وراح شفيق واخوانه يتصرفون علي أساس ان الإخوان غير موجودين. وبالتالي مرسي سيكون غير موجود. لأن عنده ما يزلزل الأرض من تحت أقدامهم. ويؤكد أنهم اشتركوا في قتل الثوار واراقة دماء المتظاهرين. فريق ثالث عاش في العالم الافتراضي ووجد هناك التفنينة التي تريحه من مرسي وشفيق اتقاء لشر البلاء والفتن. فقالوا. لا شفيق ولا مرسي. الملك أحمد فؤاد أحق بالكرسي. وبالفعل هناك من أتي إلي الجريدة ينشر إعلانا بهذا المعني يطالب فيه بمحامين متطوعين. لإحضار الملك أحمد فؤاد من الخارج وقد رفضت بالقطع هذا الإعلان. لأنني أعيش في الواقع. ولا أسافر مع الذين تسافر منهم رءوسهم. وفي العالم الافتراضي نفسه "علي الفيس بوك وتويتر" كان الخيال أبعد وأكثر طرافة. حيث ضربوا كل افتراضات المفترضين في الخلاط ليكون العصير مريحا لكل الأطراف من صداع مرسي وشفيق فقالوا: "الحل الوحيد أن يطخ أحد شفيق ونتهم فيه مرسي". يرد عليهم من يقول: دماء مرسي الزكية ستروي الأرض وتنبت مليون مرسي.. وبلوفر شفيق ستتطاير خيوطه وأصوافه لتنسج مليون شفيق وشفيق.. هنا سنعضد الجماعة بمليون مرسي يتسارع علي الكرسي. ونعضد الفلول بمليون شفيق والطامة الكبري إذا حقق أحدهم نبوءة النكتة التي تقول ان شفيق الأرمل سوف يتزوج سوزان بعد وفاة مبارك ويقوم بتوريث جمال. في العالم الافتراضي أيضا وجدنا الحكم المثالي الذي يستحقه مبارك ونجله والعادلي ومساعدوه. فما يرضينا هو أن تقطع أياديهم وأرجلهم من خلاف. ثم يجيء مسرور بسيفه الحامي ويقطع رقابهم. أما الحكم الذي قضي به القاضي رفعت فهو بمعايير العالم الافتراضي باطل باطل. وننسي ونحن بعيدون عن الأرض ان القاضي لم يخترع وأن الحكم هو عنوان الحقيقة.. فمبارك لم يصدر ضده الحكم بالاعدام. لأن ألف باء هنا تقول ان الإعدام يلزمه اعتراف من المتهم. ومبارك لم يعترف. الشيء الثاني ان العادلي أخذ المؤبد وخرج مساعدوه لأن الدليل الذي يجب أن يدينهم غير موجود وهو الإمساك بالقناصة الذين قتلوا المتظاهرين. الشيء الثالث ان جمال وعلاء براءة لأنهما لم يحاكما في قتل المتظاهرين وإنما حوكما علي استغلال النفوذ والفساد والتربح. لكن القانون هنا لا ينطبق عليهما بسبب انقضاء المدة. السؤال: هل الحكم صحيح في القضية برمتها؟ الاجابة نعم.. والسؤال: هل أنا كمواطن مبسوط وسعيد بهذا الحكم؟ الإجابة لا.. والسؤال: هل هذا ذنب القاضي؟ الإجابة باطمئنان لا. لأن رأس القاضي في رأيي مثل الكمبيوتر غذيناها بأشياء وأدلة وقرائن. وكلها تندرج تحت مسمي المدخلات.. فإذا كانت المدخلات ناقصة وضعيفة وهزيلة فلا نلوم القاضي. ولا نحاسبه عن المخرجات التي خرجت عبر مسار ضميره. السؤال: هل تلك هي النهاية؟ الإجابة بالقطع لا. فلايزال النقض موجودا. المهم أن نتعلم الدرس ونخرج جميعا علي قلب رجل واحد لكي نقول: "الشعب يريد العدالة".. ونصر أن تفتح الأدراج والخزائن ونفتش في كل مكان عن السر المدفون حتي يخرج ونقدمه إلي المحكمة.. سنجد من يضحك ساخرا ويقول سرقوا الصندوق يا أبولمعة وحرقوا المستندات وأتلفوا السيديهات وأصر أن هناك بالقطع ألف دليل ودليل. ولا سبيل للحكم العادل علي المخلوع وقتلة المتظاهرين إلا بها.. أما الكلام عن تشكيل محكمة كل أعضائها من الفضاء وكواكب أخري غير كوكب الأرض الذي نعيشه. فهو إصرار علي العيش في العالم الافتراضي. احساسي انه في الأيام القليلة القادمة سوف تحدث مفاجآت أكبر بكثير. مما يصل إليه خيالنا في العالم الافتراضي.. حفظ الله مصر ووقاها من كل شر. نقلا عن صحيفة الجمهورية