من عناصر الضغط على الحكومة تزايد أعداد المشردين وعناصر الميلشيات الذين يعيشون فسادا فى دارفور بقدر ما أسهمت الضغوط والتهديدات الدولية لحكومة السودان, خاصة من الولاياتالمتحدة, في دفعها إلي التخلي عن رفضها لكثير من قرارات مجلس الأمن ومطالب المنظمات الانسانية الدولية بشأن دارفور, خاصة الموافقة علي نشر قوات دولية لحفظ السلام, بقدر ما شجعت المتمردين علي التشدد في مطالبهم, ورفضت الحركات المسلحة, ما عدا واحدة, توقيع اتفاق أبوجا للسلام انتظارا للمزيد من التنازلات الحكومية والمكاسب. كان واضحا ان الضغوط والتهديدات تركزت علي الحكومة ولم تمس المتمردين إلا قليلا, علي العكس مما تم في مفاوضات الجنوب عندما تم تهديد الحركة الشعبية لتحرير السودان بإغلاق مكاتبها في كينيا وطرد ممثليها, ووقف المساعدات عنها اذا لم تقابل الحكومة في منتصف الطريق فتم التوصل إلي اتفاق نيفاشا الذي أنهي21 سنة من الحرب الأهلية في الجنوب, وان كان تطبيقه مازال يتعثر, ووصلت الضغوط والتهديدات الأمريكية إلي الدعوة لفرض حظر علي الطيران العسكري علي دارفور مثلما حدث في كردستان العراق وجنوبه في عهد صدام حسين, وأيدتها بريطانيا في ذلك, وأدي ذلك مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن, علي الخرطوم إلي دفع المسئولين السودانيين إلي اتخاذ مواقف مضادة رافضة ومتسرعة وإلي عدم تجاوبهم مع المطالب الدولية لانقاذ حياة2,5 مليون مشرد ولاجئ ووقف لحاق المزيد من أبناء الاقليم بنحو200 ألف قتيل منذ بدء الأزمة.وفقا لتقديرات الاممالمتحدة و9 آلاف فقط وفقا لتقديرات الحكومة السودانية, صحيح ان الحكومة عادت لتستجيب لكثير من المطالب والقرارات الدولية, لكن بعد فوات الأوان, ربما من باب عدم الظهور بمظهر الخائف من التهديدات أو الراضخ للضغوط. أوضح مثال لذلك هو قرار المحكمة الجنائية الدولية بضبط واحضار أحمد هارون وزير الدولة للشئون الانسانية وعلي كوشيب أحد قادة ميليشيا الجنجويد لمحاكمتهما بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ضد المدنيين في دارفور وذلك بعد رفض الحكومة السودانية تسليم أي منهما, فهذا القرار أدي إلي عدم موافقة الحكومة علي نشر قوات حفظ سلام دولية في الاقليم لشهور عديدة خوفا من ان تقوم بمطاردة واعتقال51 متهما تم تسليم قائمة بأسمائهم إلي المحكمة من مجلس الأمن الدولي ومن بينهم مسئولون كبار. صحيح ان الحكومة لاتعترف بأن هذا هو سبب الرفض قبل ان تتراجع وتوافق علي نشرها, وتقول ان السبب كان ان اتفاق أبوجا ينص علي نشر قوات افريقية وليست دولية وان الأمر لايحتاج مثل هذا العدد الكبير وهو23 ألف جندي حسب قرار مجلس الأمن1706.( تم الاتفاق أخيرا علي نشر ما بين17 و19 ألف جندي فقط.) مثال آخر علي الأثر العكسي الذي تحدثه تصريحات المسئولين السودانيين أنفسهم هو وصف السفير السوداني في واشنطن أزمة دارفور بأنها مجرد مشكلة صغيرة بين مزارعين ورعاة وصف حركات التمرد بأنها ارهابية فغضبت وأعلنت انها لن تذهب إلي جوبا لتوحيد رؤيتها التفاوضية بدعوة من الحركة الشعبية لتحرير السودان التي ينتمي اليها السفير فتأجل المؤتمر, وكلما أطلق مسئولون سودانيون تصريحات عنترية للاستهلاك المحلي زادت المطالبات في الخارج بالتدخل الدولي لإنقاذ شعب دارفور وتقديم المتهمين للعدالة, مثال ذلك قول وزير الداخلية الزبير بشير طه انه لن يتم تسليم هارون للمحكمة الدولية ولن يمس أحد شعرة من كوشيب, ووزير الخارجية لام اكول الذي قال ان السودان ليس ملزما بتسليم أحد للمحكمة الدولية لانه ليس عضوا فيها وليست لها ولاية عليه, اما نافع علي نافع مستشار الرئيس السوداني فيعرب عن ثقته بأن مجلس الأمن لن يصدر قرارا بالتدخل العسكري الدولي في دارفور رغما عن أنف الحكومة, لأن هذا ليس من صلاحياته علي حد قوله وقال ردا علي سؤال لمندوب الأهرام: واذا افترضنا أن ذلك حدث فسوف نقاوم مثلما يفعل العراقيون والفلسطينيون. لكن يبدو أنه يتناسي ما تنص عليه المادة41 من الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة أن علي مجلس الأمن اصدار قرار بالتدخل العسكري في حالة تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر او حدوث ابادة جماعية أو انتهاكات واسعة لحقوق الانسان حتي لو رفضت الحكومة المعنية, ويلزم الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بالتعاون وتقديم المساعدات اللازمة لهذه القوات, وقد يحدث هذا في دارفور اذا اتفقت الدول الأعضاء بالمجلس مع وجهة النظر الأمريكية بأن مايحدث في دارفور هو ابادة جماعية, وحتي لو لم يتمكن المجلس من اصدار قرار بالتدخل عسكريا فلا نستبعد أن ينفذ بوش تهديده بتدخل عسكري أمريكي منفرد للتغطية علي موقف قواته الحرج في العراق ولانقاذ شعبيته المتدهورة وتخفيف ضغوط الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس الذين يتهمون ادارته بالعجز عن اتخاذ اجراء حاسم بشأن دارفور ويطالبون بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق. ويبدو أن الضغوط والتهديدات لن تتوقف برغم موافقة الحكومة أخيرا علي نشر قوات حفظ سلام دولية في دارفور. فمازال الرئيس الأمريكي يهدد ويتوعد.. ومازالت مشكلة تسليم المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية للمحكمة الدولية قائمة, وطالب المدعي العام مجلس الأمن بمساعدته علي تسليمهما. يساعد في ذلك اصرار حركات التمرد علي تسلم كل المتهمين كأحد شروط الانضام لعملية السلام وقول محام سوداني بارز مثل كمال الجزولي ان القوانين السودانية غير صالحة لتحقيق العدالة ولابد أن يلتزم السودان بأي قرار او اتفاقية دولية لانه موقع علي ميثاق الأممالمتحدة. وهذا مبرر اضافي لمطالبة المحكمة بتسليمهما بدعوي عدم توافر قواعد المحاكمة العادلة والنزيهة داخل السودان. هناك ايضا تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي أكد ان القتال تصاعد بعد توقيع اتفاق أبوجا وان الحكومة لجأت إلي المزيد من القصف الجوي والاعتماد أكثر علي ميليشيا الجنجويد وتقلصت المساحة المتاحة لعملية الاغاثة الانسانية فاستمر نزوح المدنيين, وطالبت المجتمع الدولي بالضغط علي الحكومة بكثافة لتنفيذ متطلباته, وأكدت ان عملية السلام تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة, وان اتفاق أبوجا فشل لانه لم يعالج القضايا الاساسية بالشكل المناسب, أما بعثة الأممالمتحدة فأعلنت ان140 ألف شخص نزحوا من دارفور منذ بداية هذا العام فقط وان566 ألفا لاتصلهم مساعدات انسانية بسبب تدهور الأوضاع. وتلك لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة تعلن ان خطف الأطفال في دارفور وجنوب السودان لاستخدامهم في أعمال السخرة والقتال والاستغلال الجنسي مستمر, خاصة اطفال الشوارع الذين شردهم القتال, واسقف جنوب افريقيا ديزموند توتو الحاصل علي جائزة نوبل للسلام وزميلته جودي وليامز يطالبان بتحرك دولي سريع لانقاذ المدنيين قائلين ان القانون الدولي يلزم المجتمع بحماية المدنيين اذا فشلت السلطة الوطنية في ذلك وهو مايحدث في السودان, علي حد قولهما. فهل يعي المسئولون السودانيون وقادة التمرد ماوراء كل هذه التهديدات والضغوط ويجلسون علي مائدة التفاوض لإبرام اتفاق يحقق لكل طرف بعض مطالبه أم سيظل العناد مسيطرا عليهم تاركين مصير البلد في مهب الريح؟! أما إلي أين يتجه اتفاقا سلام الجنوب والشرق فهذه قصة أخري.