عندما حصل د. أحمد زويل على جائزة نوبل منذ سنوات جاء إلى القاهرة ساعيا إلى تقديم تجاربه وخبراته لوطنه.. ويومها حشدت الحكومة كل شعارات التشجيع لفتح كل الأبواب لابنها العائد بأكبر رصيد علمي عالمي.. واحتفلت الدولة بالدكتور زويل وكرمته بأرفع الأوسمة المصرية وهي قلادة النيل.. وبعد الاحتفالات بدأ الحديث عن مدينة زويل، وبالفعل تم تخصيص مساحة من الأراضي في مدينة الشيخ زايد مساحتها 127 فدانا لإقامة المشروع العلمي الكبير، وفي احتفالية ضخمة تم وضع حجر الأساس وحتى هذا الوقت كان حماس زويل يفوق كل الحدود من حيث رغبته وإيمانه بمستقبل هذا الوطن.. وانتهى موسم الاحتفالات والتهاني والولائم ليجد الرجل نفسه معلقا بين السماء والأرض، وتحولت الوعود إلى كوابيس في أسلوب التعامل مع أجهزة الدولة وتغيرت أساليب كبار المسئولين في حوارهم مع الرجل إما غيرة أو حقدا أو تصفية حسابات رغم أن الرجل قضى حياته مغتربا ولم يكن طرفا في صراع أو من أصحاب المصالح والمنتفعين من أصحاب البلاط.. وبدأ زويل يفقد حماسه كلما هبطت أقدامه على مطار القاهرة، على جانب آخر.. تراجع حماس المسئولين وبدأت رحلة طويلة من المعاناة في أساليب التعامل والتجاهل وعدم الفهم لأقدار الناس ومصالح الوطن.. ولم يخل الأمر بعد ذلك من ظلال سياسية كثيفة حول مشروع زويل الإنسان في أن له أطماعا سياسية في بلاط الحكم، ولعل ذلك كان سببا في اتساع مساحات الرفض والغضب بين زويل والسلطة الراحلة خاصة في ظل مشروعات أخرى أهم واكبر حول التوريث وتوابعه.. ظل الحال على هذا الوضع عشر سنوات كاملة ذهب فيها زويل إلى أكثر من بلد عربي وقدم خبراته وتجاربه التي استفاد منها الأشقاء في قطر والسعودية والكويت ودول الخليج بينما البيروقراطية المصرية العريقة والحسابات الشخصية تطارد الرجل في كل مكان.. ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها تجربة زويل مع العهد السابق إلا أنه لم يفقد الأمل في مشروعه لإنشاء قاعدة علمية حديثة في وطنه.. وفي الوقت الذي أغرقت فيه الحكومات المتتالية مشروع زويل في دوامة الإجراءات والتأجيلات والمساومات كان هناك مشروع آخر بديل يشبه الوطن البديل يتسرب إلى كواليس الحكومة، فسرعان ما اجتمع عدد من رجال الأعمال يبلغ عددهم 54 عضوا وتم إعلان إنشاء جمعية تسمى المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجي برئاسة وزير الاتصالات في ذلك الوقت د. أحمد نظيف، وكان الواضح أن هذه الجمعية جاءت لتحل مكان مشروع زويل العلمي وأنها ليست أكثر من مؤامرة حكومية للتحايل على المشروع الأصلي.. وبدأت الجمعية في تلقي التبرعات من أعضائها في حدود مليون جنيه من كل عضو.. وبعد ذلك مباشرة قامت الجمعية الجديدة بالاستيلاء على الاراضي المخصصة لمشروع أحمد زويل ومساحتها 127 فدانا تزيد قيمتها على 1.5 مليار جنيه وكان ذلك تمهيدا لإنشاء جامعة النيل التي تحولت إلى أزمة كبيرة بعد ذلك لأنها طرحت سؤالا خطيرا أمام الشعب ومؤسسات الدولة من يملك هذه الجامعة التي دفع المساهمون فيها 50 مليون جنيه وحصلوا على أرض ثمنها مليار ونصف مليار جنيه، ولكن هذه الجامعة كانت نموذجا للزواج الباطل بين السلطة ورأس المال وما حمله من توابع سيئة بعد ذلك.. كان من الممكن أن يمضي مشروع جامعة النيل في مسار مواز لمشروع زويل من حيث الحاجة والهدف، ولكن الواضح أن المشروع البديل وهو جامعة النيل كان محاولة من الدولة لإجهاض مشروع زويل قبل أن يبدأ وكان الاستيلاء على الأرض أهم مؤشرات ذلك.. في هذا الوقت ومنذ عام 2009 بدأت في كتابة سلسلة مقالات حول التجاوزات في مشروع إنشاء جامعة النيل.. وكانت كل المؤشرات تؤكد أن الجامعة رغم كل النوايا الطيبة خلفها حكايات وقصص كثيرة.. من بين هذه القصص أن الدكتور نظيف كان يعد هذا المشروع لنفسه بعد أن يترك رئاسة الوزارة.. هذا بجانب أن الدولة تحملت كل نفقات إنشاء هذه الجامعة من خلال دعم مالي اقترب من مليار جنيه خلال خمس سنوات من وزارة الاتصالات دون سؤال من أحد أو رقابة على المال العام، وهل هي جامعة خاصة أم أهلية وهل هي ملك للحكومة أم لرجال الأعمال المشاركين فيها؟ وماذا عن الأرض التي حصلت عليها والتمويل الذي قدمته وزارة الاتصالات.. وقبل هذا كله فإن الجامعة في بداية نشاطها اقتصرت على الدراسات العليا وكان عدد الباحثين والدارسين فيها لا يتجاوز عددهم 120 طالبا في جميع التخصصات.. ومع عام 2010 بدأ الحديث عن تجاوزات مالية خطيرة في إنشاء هذه الجامعة والمبالغ المذهلة التي أنفقتها وزارة الاتصالات على هذا المشروع، خاصة أن الجامعة ملك لجمعية أهلية تضم عددا من رجال الأعمال.. لم يتوقف الجدل حول الجامعة وأن كان الجهاز المركزي قد أعد تقريرا خطيرا عن التجاوزات في جامعة النيل مع نهاية عام 2010 ولم يعلن عن هذا التقرير أي شيء ولم ينشر ما جاء فيه حتى الآن وكأنه سر حربي.. ومع ثورة 25 يناير تغيرت أشياء كثيرة حتى جاء قرار الدكتور أحمد شفيق رئيس مجلس الوزراء في الأيام الأولى للثورة ومع رحيل النظام السابق باسترداد الجامعة وعودتها إلى وزارة التعليم العالي.. ويبدو أن الجميع في ذلك الوقت اكتفى بهذه العودة دون محاولة للاقتراب من قصص التجاوزات والمبالغ الضخمة التي حصلت عليها الجامعة من أموال الشعب.. ومع ثورة يناير واهتمام المشير محمد حسين طنطاوي والمجلس العسكري عاد أحمد زويل إلى المشهد السياسي مرة أخرى وكان قرار مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عصام شرف إنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مدينة الشيخ زايد وعلى نفس المساحة التي كانت مخصصة لمشروعه منذ سنوات مضت.. ومع عودة زويل ومشروعه ورحيل كبار المسئولين الذين أقاموا مشروع جامعة النيل بدأت رحلة المنازعات بين كيانين أحدهما ينتسب إلى العهد البائد والآخر ينتسب بالميلاد إلى ثورة يناير وبالواقع التاريخي إلى سنوات بعيدة مضت.. لا توجد مبررات على الإطلاق للازمة المفتعلة الآن بين مشروع زويل وجامعة النيل خاصة بعد أن أصبحت الجامعة باتفاق الطرفين جزء من مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، حيث تم إلحاق طلاب جامعة النيل وعددهم 85 طالبا إلى مشروع زويل مع الاستفادة من الباحثين وطلاب الدراسات العليا في الجامعة مع بداية عمل مشروع زويل في نهاية العام الحالي.. لا ينبغي الخلط وافتعال الأزمات بين هذه المشروعات، خاصة أننا أمام مرحلة جديدة تتطلب جهودنا جميعا لبناء وطن وحياة أفضل لهذا الشعب.. هناك اعتقاد لدى المسئولين في جامعة النيل ووزارة الاتصالات أن مدينة زويل انتزعت منهم الأرض والمنشآت التي أقامتها جامعة النيل، رغم أن الحقائق تقول أن الأرض كانت مخصصة من البداية لمشروع زويل وهناك نصب تذكاري فيها يؤكد ذلك.. وبجانب هذا فإن الأموال التي أنفقتها وزارة الاتصالات هي أموال الشعب وليست أموال رجال الأعمال وجمعيتهم المريبة ومشروعهم الغريب.. وقبل هذا كله فإن هناك اتفاقا بين المسئولين في الجامعة وأحمد زويل على وضع كل الشروط والضوابط للتعاون بينهما على أسس جديدة من التفاهم والتكامل والحرص على مستقبل قضايا العلم والبحث العلمي في مصر.. لقد عانى أحمد زويل سنوات طويلة وهو يكافح من أجل مشروعه البحثي العلمي الكبير وصمد أمام تيارات كثيرة حاولت إجهاض هذا الحلم تحت دعاوي كثيرة كان اغلبها يتعلق بالسياسة والأدوار وتصفية الحسابات.. وقد عاد الرجل إلى قواعده الأولى بحثا عن مشاركة حقيقية في مشروع علمي وحضاري كبير.. أما جامعة النيل فينبغي أن تبدأ صفحة جديدة من التعاون في ظل منظومة بحثية وعلمية متكاملة مع مدينة زويل بعيدا عن مراكز القوى وأحلام السلطة وبريق المناصب ولا داعي للبحث في الملفات القديمة لأنها لا تفيد.. .. ويبقى الشعر ركب الزمان يطوف في عبراتي وأنا أراك تطل من عرفات وأمامك التاريخ يسجد خاشعا والحق حولك شامخ الرايات وتودع الدنيا بوجه مشرق فيه الجلال.. ونبل كل صفات تبكي الجموع وأنت تهمس بينها قد لا أراكم في الحجيج الآتي لكنني أودعت في أعناقكم قرآن ربي.. سيرتي وحياتي لا لن تضلوا إن تمسكتم به فخلاص هذي الأرض في آياتي ويطل وجهك خلف ستر خافت فتري حشود الحق في الصلوات وتري الوجوه وقد أضاء جلالها والدهر يكتب أقدس الصفحات وتصيح فيهم أن غاية ديننا طهر القلوب ورفعة الغايات فجر الضمير رسالتي لا ترجعوا للكفر بعدي.. في ثياب طغاة لا تقربوا الأصنام بعدي إنها بيت الضلال.. وآفة الآفات ولتعبدوا الرحمن ربا واحدا فعلي هداه تفجرت صيحاتي الله خالق كل شيء فاجمعوا أشلاءكم بالحق والرحمات وحدت أشلاء.. جمعت شراذما وجعلت من طلل الشعوب بناتي الظلم في ركب الحياة ضلالة والعدل نور الله في الظلمات والذم في وجه الحياة جريمة وتميمة للرجس واللعنات والحق أولي أن تصان حصونه ليظل تاج الأرض والسموات والأرض عرض والدماء محارم ونقاء مال المرء بالصدقات حرية الإنسان غاية ديننا وطريقنا في كل فجر آتي ونساؤكم في كل بيت رحمة تاج العفاف وسام كل فتاة والعدل دستور الحياة فإن غفي هرعت حشود الظلم بالويلات والحكم عدل والشرائع حكمة والنفس عندي أكبر الحرمات أهل الكتاب لهم حقوق مثلنا في الأمن.. في الأوطان.. في الصلوات الله ساوي الخلق وحد بينهم في العيش.. في الأنساب.. في الدرجات أما الحياة وديعة في سرها هل يستوي الأحياء بالأموات ؟ ويل لأرض مات فجر ضميرها موت الضمائر قمة المأساة لكنني أيقنت أن رسالتي فيها الهدي من خالق السموات بلغت يا الله فاشهد أنني لم أنس حق رعيتي ورعاتي زوروا المدينة.. وأذكروني عندها من زار قبري صافحته حياتي أنا لم أكن إلا رسول قد خلت قبلي رسالات وهدي عظات بشر انا.. ما كنت ربا بينكم بل كنت فجرا لاح في لحظات وأفاض في الدنيا.. وأيقظ أهلها بالحق.. والتنزيل.. والآيات فإذا بدا في الأفق غيم عابث صلوا علي.. وأكثروا الصلوات "من قصيدة على باب المصطفى 2010" نقلا عن جريدة الأهرام