بمختصر مفيد توجد لدى الإنسان العربي ثلاثة تطلعات سياسية تبدو مشتركة بين الجميع. هذه التطلعات تشكل هموماً يتوجب على الحكومات الوطنية حلها إذا ما أريد لتطلعات وأماني الإنسان العربي أن تتحقق التطلع السياسي الأول هو حق المواطنة، ووجود مجتمعات سياسية حية وقادرة يكون فيها الوطن للجميع وليس لفئة بعينها دون الآخرين. والمشكلة المرتبطة بذلك في تقديري هي مشكلة ثقافية، بمعنى أنها تتعلق بالجماعية الثقافية والإقرار بتنوع مكونات المجتمع التي تنصهر في بوتقة وطنية واحدة، لأن ذلك سيجعل من الحياة الاجتماعية خليطاً مركباً يمنع فئات معينة من النظر إلى كافة المواطنين الآخرين من منظور نحن عوضاً عن النظر إليهم من منظورهم، أي بمفهوم نحن والآخر. التطلع السياسي الثاني، هو تحقيق الاستقرار بكافة أشكاله ومظاهره، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، داخلياً أو بعلاقات الوطن مع المجتمع الدولي مجتمعاً أو مع الدول الأخرى كل على حدة. ومشكلة الاستقرار هذه تتعلق بالهزات المدنية وتفشي ظواهر الفساد السياسي والإداري والمالي بالإضافة إلى تفشي العنف. ويأتي على المحك بالنسبة لهذا الأمر المحافظة على أوضاع سياسية في كل دولة ضمن مجتمع سياسي يؤدي وظائفه باقتدار، وإن لم يكن بشكل مثالي مطلق. والتطلع السياسي الثالث والأخير، هو تحقيق التنمية بمفاهيمها الشاملة والمستدامة. والتنمية بهذا المعنى مصطلح واسع وربما غامض قد يوحي للقارئ بأنني لا أقصد شيئاً أكثر من رغبة الإنسان العربي في تحقيق رفاهية مادية. لكن ذلك ليس هو المقصود لأن التنمية بمفاهيمها الشاملة تطال كل شيء، وقد تكون لها صورة طوباوية من إيجاد وضع اجتماعي مثالي في المستقبل تسود فيه المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة المساواة بين البشر. وضمن ذلك لابد وأن تتواجد مفاهيم اجتماعية وثقافية تصب في خانة المشاركة السياسية الحقيقية التي تجعل من الشعوب العربية مشاركة في الشأن السياسي، وفي إدارة البلاد اقتصادياً لكي يعم الخير الجميع. اختيارنا لهذه التطلعات الثلاثة بالتحديد ينطلق من الرغبة في تسليط الضوء على التنمية المنقوصة القائمة الآن في البلاد العربية، بمعنى أننا نشير وبشكل مؤكد إلى أن هذه التطلعات أساسية وجوهرية بالفعل، لأنها تتعامل مع تأسيس وصيانة وجوهر الغرض الأساسي من وجود الحياة السياسية ذاتها. إن هذه التطلعات تحمل لنا أسئلة تقليدية حول السياسات المتبعة حالياً. وإلى حد كبير ربما تعتبر هذه التطلعات ذات طبيعة تساؤلية أكاديمية تخص مجتمعات أكثر تقدماً على الصعيد التنموي، لكن ذلك لا يمنع في تقديري بأنها تقع في صميم العملية السياسية في البلاد العربية. تطلعات الإنسان العربي التي نوردها ربما تأتي من حيرته حول ما يحدث في أوطانه من خلط في كثير من الأمور والمفاهيم، فهناك أنماط تنموية، لكن فيما يبدو أن أياً منها لا يمكن القول عنه بأنه صفة ملازمة للمجتمع القائم فيه، فهناك توجه ساد نحو الاشتراكية الثورية للاقتصاد والمجتمع، وتوجه نحو التخطيط المركزي الشمولي للاقتصاد. وتوجد محاولات لرفع التوقعات الاجتماعية عن طريق إدخال خدمات وصناعات حديثة على صعيد القطاع العام. ويضاف إلى ذلك تواجد نزعة نحو تبني مناهج القطاع الخاص والدخول إلى الأسواق الحرة والسماح للاستثمارات الوطنية والأجنبية للعمل ضمن مناظير تنموية اشتراكية. وإلى جانب ذلك يلاحظ بأن الإنسان العربي يقع في حيرة من تمادي بعض البلاد العربية في تبني الأنموذج الرأسمالي التقليدي القائم على الاقتصاد الحر على إطلاقه دون أن تكون المجتمعات المعنية جاهزة لتقبلها. إن جميع هذه الأنماط غير المتسقة لحركة التنمية، جعلت من البلاد العربية ومواطنيها حقول تجارب أوصلت العديد منها إلى الثورة في نهاية المطاف، وربما يكون القادم أسوأ. نقلا عن جريدة الاتحاد