بدأنا المولد السنوى للبث التليفزيونى لمباريات كرة القدم.. وعدنا من جديد نصغى لنفس الكلمات القديمة والصرخات المتكررة.. نفس الوجوه والملامح والاستعراضات التى اعتدنا رؤيتها فى هذا المولد كل عام.. وإذا كان التراث الثقافى والاجتماعى المصرى قد ألزم كل مولد بأن يضم الشيخ العارف بالله والساحر والمطرب والراقصة والدرويش والدجال والبلياتشو والنشال والفتوة وبائع الحمص والحلاوة.. فلابد أن تجد كل هؤلاء فى أى مولد للبث كل سنة، وقد تجد نفس الوجوه أيضا ولكن مع تبديل أدوارها.. فالشيخ العام الماضى قد يصبح هو بلياتشو هذا العام، ويصبح بائع الحلاوة هو الدجال، والساحر هو الدرويش، والراقصة هى الفتوة.. وقد أصبحنا نستمتع بالفرجة على هؤلاء وننتظرهم فى مولد كل سنة.. وكأننا لا نريد أو لا نحب أو لا نستطيع إلغاء هذا المولد نهائيا وإخراج كل الحواة والسحرة والراقصين والدجالين من الساحة الكروية وأى ساحة أخرى فى مصر سياسية واقتصادية وإعلامية. وأن نواجه كلنا الحقيقة والواقع فلا يعود أحد من جديد يتحدث عن البث التليفزيونى وكأنه يتحدث عن قضية وطنية مصيرية شديدة الخطورة والحساسية.. ولم يعد لائقا أن نتحدث عن البث التليفزيونى ونجد من جديد هذا الذى يفتش عن مصالحه المباشرة، لكنه يخرج علينا باكيا والدموع فى عينيه تصرخ بالعشق لمصر والخوف عليها.. أو الذى بحسب أرباحه ومكاسبه هو ومن معه، لكنه فى العلن يتحدث عن حق الناس فى المشاهدة، وعن كرة القدم التى تصبح وقتها فجأة أهم من رغيف الخبز. أو الذى يقرر من تلقاء نفسه أنه هو الذى يملك كل شىء ويحتكر كل الحقوق وسيقوم بتوزيعها حسب الأهواء واتفاقات الغرف المغلقة.. فقد شعر كل الناس بالملل والضيق والقرف أيضا من كل هؤلاء وكل تلك التناقضات.. فالبيع الجماعى يصبح مرة جريمة وخطيئة ومرة يصبح حقا وقوة.. وشارة البث مرة لا تساوى شيئا ومرة أخرى تساوى الآلاف والملايين. ولهذا لابد من توجيه الشكر الآن لسبعة أندية بالتحديد قادها الأهلى لفرض الواقع الصحيح والقوانين السليمة التى يجب أن تبقى دائمة.. الأهلى ووادى دجلة والمقاولون وسموحة ومصر المقاصة وبتروجيت ودمنهور.. ونجحت هذه الأندية أيضا فى تحديد القيمة الواقعية والحقيقية لمبارياتها التى باعت حقوق بثها بضعف الثمن الذى باع به ثلاثة عشر ناديا يقودها الزمالك. وهذا يعنى أننا أمام خطأ أو إهمال أو إهدار للمال العام.. كما ينبغى التأكيد أيضا أنه من حق أى قناة أو شبكة تليفزيونية أن تسعى وتحاول شراء حقوق بث أى مباراة أو بطولة دون أن تصبح القناة التى فازت بهذا الحق سيئة السمعة أو مارست الدجل والحرام للفوز بهذا الحق.. وتبقى بقية القنوات التى لم تحاول أو لم تنجح أو لا تريد أن تدفع للآخرين حقوقهم الكاملة هى القنوات المصرية الحقيقية التى يحاربها الجميع لأنها مصرية.. وكأن الآخرين ليسوا مصريين أيضا.. أو كأن مصر باتت هى اللافتة التى يتخفى وراءها أى تاجر أو طماع أو آفاق أو فاشل. نقلا عن صحيفة المصرى اليوم