إذا استخدمت هذين الفعلين في إسقاطات كلامية على الواقع المصري؛ فقد تصاب بالدهشة والاستغراب، مما كان شكلا أو شيئا أو واقعا أو مبنى أو سعرا أو مبدأ.. فأصبح على حال تناقض ما كان عليه، جرِّب معي أن تفكر في تطبيقهما على ما كان زمان، فأصبح الآن، فإن اتفقت معي على الحنين إلى الماضي؛ فاعلم أنك تمر بنفس ما أمر به بعد الثورة؛ بما يسمى النوستالجياNostalgia ، وترحّم معي على ما كان فأصبح، وما كنا فيه فأصبحنا في نقيضه، ولم تطله يد النسيان. كلف الخديوي إسماعيل بناء دار الأوبرا الملكية عام 1869 مليون ونصف المليون من الجنيهات الذهبية، الآن أصبح هذا المبلغ يساوي أربعة مليارات جنيها مصريا ! لأن الجنيه الذهبي أيامها كان يساوي جنيها مصريا، فأصبح الآن سعره يقترب من ثلاثة آلاف جنيها مصريا ! سعر فدان الأرض الزراعية في محافظات الدلتا ( أرض طين يعني ) كان عشرين جنيها للفدان، فأصبح الآن مليون جنيه ! وحبذا لو باعها أصحابها أرضا للبناء.. تجيب 3 مليون ! حكى لي أبي - رحمه الله – أنه كان يعمل في بورسعيد عام 1954، وكان يشتري كيلو سمك الدنيس بقرشين، ويقوم البائع بشيّه ويضع معه طبق الأرز والسلطة بقرش صاغ... الآن سعر كيلو الدنيس مائة وعشرون جنيها، وطبعا لن تشويه لأنك لن تشتريه، بس يمكن تشتري الرز ! أحد أصدقائي اصطاد عام 1977 سمكة (أبو شراع) من (صَمَداي) جنوب مرسى علم كانت زنتها 150 كيلو، الأن أصبح صيد سمكة واحدة من الغردقة حتى حماطة؛ زنتها كيلو ضربا من ضروب الحظ السعيد صعب الحدوث، لكنه ممكن ! كان البحر الأحمر قِبلة سياحة الغطس في العالم لما تحوي مياهه من شعاب مرجانية وأسماك ملونة وكائنات لا توجد إلا فيه، هذه المنح الإلهية شكلت مع الجو المعتدل طوال العام عناصر جذب هائلة للسياح وهواة الغطس والصيد، وبقي هذا الحال حتى عام 1980 حين بدأ استثمار الأرض على حساب البحر، فتزايد عدد القرى السياحية والفنادق من فندق واحد وقرية واحدة (شيراتون ومجاويش )إلى أن أصبح مئات الفنادق ومئات القرى، ضف إليها آلاف اللنشات السياحية التي ترسو على الشواطئ، وتلوث بيئة البحر بعوادمها وصرفها غير الصحي حتى أصبحت الظروف البيئية غير مناسبة لتكاثر الأسماك المقيمة والمهاجرة، أو النمو الطبيعي للشعاب المرجانية، فهجرت الأسماك الشواطئ المصرية، وماتت الشعاب المرجانية في معظم مناطق البحر الأحمر من طابا حتى حماطة. سعر كيلو الكباب سنة 1960 كان 30 قرش شاملا الأرز والسلطات، فأصبح في 2011 سعره 150 جنيها، وسندوتش الفول كان عام 1960 بتعريفة (خمس مليمات) فأصبح الآن بجنيه ونصف. مالك عمارة تقع على شارع رئيسي في المهندسين تتكون من عشر شقق، كلها مؤجرة لسكان منذ عام 1950، وكان المالك أيام شبابه يحصّل إيجار الشقق أول كل شهر ثلاثمائة جنيه، يعيش بها هو وأسرته عيشة الأغنياء الموسرين، كان ذلك حتى عام 1965 حين بدأت الأحوال بالتغير، فالرئيس عبد الناصر أصدر قراراته المتتابعة بتخفيض إيجارات المساكن، وجاءت القوانين الظالمة لتؤبد عقود الإيجار القديمة، ووو.. أما الآن فالمالك العجوز يسكن في امبابة ودخله من عمارته الأنيقة أصبح 120 جنيه في الشهر، تكفي بالكاد شراء خبز للبيت. أيام زمان؛ كنا نقف في طابور الصباح في مدرستنا الابتدائية الحكومية، ويمد كل تلميذ يديه مقلوبتين وعليهما المنديل النظيف المكوي، ويمر المدرسون ليعاينوا ملابسنا وأظافرنا ونظافة مناديلنا، ويُخرَج من الطابور ويعاقَب من يحضر إلى المدرسة دون قص أظافره أو غير معتنٍٍ بمظهره أو هندامه، أما الآن.. فأوضاع التلاميذ والمدرسين أصبح أقسى من أن يوصف، وكلنا نعرفه. هل اكتشفت عزيزي أنك مصاب بالنوستالجيا ؟ هل أصبحنا نعيش في الذكريات الذي كانت بعد أن صدمَنا الواقع المرير ؟ هل ملك علينا الحنين إلى الماضي حواسنا حتى أصبحنا نعيش فيه ونترحم على أيامه ؟ الله يرحم زمان وأيام زمان ... إسلمي يا مصر