نعيد ونكرر: انفصال جنوب السودان عن شماله يهدد أمن مصر المائي، ويمهد لتقسيم مصر ذاتها، أغنيها لكم؟ هذه ليست استنباطات شخصي المتواضع، هذا ما خلص إليه العلماء والباحثون المصريون في المؤتمر الذي عقده مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجماعة عين شمس في شهر مايو من العام الجاري. هذا، وإن العلماء الحضور للمائدة المستديرة المتباحثة في الشأن السوداني وعلاقته بمصر، كانوا - منذ أعوام - قد حذروا من خطورة الوضع في السودان، وضرورة التدخل المصري لحماية السودان من التمزق، وكانوا قد أكدوا أن استمرار مصر في لعب دور سلبي فيما يخص السودان سيؤدي «بشكل محتوم» إلي تقسيم السودان. أي أنهم تنبأوا منذ سنوات بتصريحات كلينتون. تدخل مصر لحماية السودان من التمزق والحرب الأهلية كان واجبا لحماية الأمن المائي والجغرافي لمصر. فماذا فعلت مصر لحماية مياهها ووحدتها؟ لسبب مجهول، تحالف النظام المصري في عدة مواقع وتواريخ مختلفة مع الجنوبيين. لسبب مجهول، تجاهل النظام المصري مشكلة دارفور قبل تفاقمها. لسبب مجهول، عج الإعلام المصري بترديد الدعاية الأمريكية عن الحرب الأهلية في السودان، سواء في دارفور أو في الجنوب. لسبب مجهول، تطوع المناضلون، من محبي أبو بلاش، في الدخول بكل ثقلهم لإدانة السودان، والشمال، والبشير، والديكتاتورية، وجرائم الحرب، وكأن شمال السودان قد سيطر علي العالم، واحتل الدول المجاورة، وتغول، وأصبح خطرا يهدد المجرات، عملا بحكمة سهير البابلي في مسرحية «ريا وسكينة»: زغردي ياللي مانتيش غرمانة. إذ إن الهجوم علي البشير، وشيطنة ذلك الحائس المحتاس الموحول، الذي فشل في كل شيء، حتي في تمثيل دور الديكتاتور، وأعمي كل الأعين حين أراد أن يكحلها، كان أسهل، وأقيم، وألطف، وأربح من تقييم الوضع علي حقيقته، ورؤية الصورة بشكل متكامل. الأمر باختصار، أن السودان بلد غني فقير، عليه ديون تقدر ب 34 مليار دولار، تضع الولاياتالمتحدةالأمريكية عليه عينها منذ زمن، لكن كان يجب عليها إنهاء ملف العراق أولا، ثم الانتقال للسودان، بهدف إقامة خط بترول من ينبع واليمن لنقل بترول الخليج والعراق عبر البحر الأحمر ثم إلي دارفور لنقل بترول السودان ودول غرب إفريقيا والمغرب ثم الوصول عبر الأنابيب إلي الأطلنطي ومنه إلي أمريكا وأوروبا. هذه خطة قديمة، يتم تنفيذها بتنظيم وتؤدة. الظرف الاقتصادي متردٍ، التصدعات التي كان تركها الاحتلال الإنجليزي في السودان، لم يفلح نظام سوداني واحد في ترميمها، وربما لم يرغبوا في ذلك، إذ إن تلك التصدعات القبلية كان الاحتلال قد خلقها لإحكام السيطرة علي السودانيين، وكما قال سيد قطب: ذهب الإنجليز الحمر وجاء الإنجليز السمر، ليتبعوا منهج الاستعمار في الحكم. كان الأمر سهلا: إغراق بعض المناطق بالعملة الخضراء، وتحفيز الخلافات الكامنة، لتنفيذ الخطة المرجوة. نظام البشير نظام ضعيف، يتوق إلي الديكتاتورية لأنها لذيذة، لكنه ألبس هذا طاقية هذا، فإذا بالوضع ينفجر، واكتملت الخطة. اكتملت لضعف البشير، لا لديكتاتوريته. ها هي السودان تضيع، والخطر يزحف علينا كمرض جلدي يزحف من الساق لليد حتي يصل إلي الرأس. ويحلو لي أن أسلخ كل المسئولين. انتظرونا.