..ماذا يريد الناس في مصر؟! .. كل من أقابله في الطريق، في الشوارع، في الندوات، في جولات طرق الأبواب، يستوقفني ليسألني سؤالا واحدا يتكرر في اليوم ألف مرة، وهو : ما الحل؟! أو ما العمل؟! أو كيف الخلاص مما نحن فيه؟! .. كل شيء في مصر يعود للوراء، وكل مصري محب لهذا الوطن، يضرب كفا بكف، لما آلت إليه الأوضاع في بلده !! فساد، وفشل، واستبداد، وغلاء، وفقر، وقهر، ومرارة في كل الحلوق !! وكأننا وطن جالس فوق بركان !! ولا أحد يشعر بحجم النار، تحت الرماد !! .. لا أحد يريد أن يعرف أن الناس في مصر تغيرت وباتت تعرف كل شيء، وتحس بكل شيء، فالوعي الشعبي بما يحدث في مصر، بات كالرادار الحساس الذي يسجل عن بعد كل شيء !! حتي ما يعتقد حكامنا أنه أسرار علينا !! .. لقد تجاهل نظام مبارك همسات الناس، حتي تحولت لصيحات، مصدرها الألم من كل شيء، وأكبر شيء يؤلم الناس هو العناد، والتجاهل، والجهل بما آلت إليه أوضاع الناس، وحياتهم اليومية !! .. لو ينزل الرئيس ونجله للشارع، ويسير متخفيا بين الناس - كما كان يفعل الحكام في غابر الزمان - لسمع من الناس أكثر بكثير من كل ما يقرأ في صحف المعارضة، ومن كل ما ينقل له عن لسان معارضيه ومنتقديه، أو عبر تقارير أمنه!! .. مصر تغيرت فعلا، ربما لا يدرك قدر هذا التغيير، إلا من يسير في قراها، ونجوعها، وشوارعها، وحواريها، وأزقتها ليسمع ما لم يكن يسمعه في الماضي إلا في الغرف المغلقة!! الناس تعرف كل شيء ولم تعد راضية عن أي شيء !! .. أخبار فساد الكبار، لم تعد شائعات، أو تخمينات، تحتمل الصدق، أو الكذب، بل باتت حقائق مدعومة بالتفاصيل، والبيانات، والأسماء، التي يعرفها الناس كما يعرف المريض مرضه، والعليل علته !! .. لم يعد أحد يتحدث عن أحمد نظيف، أو فتحي سرور، أو صفوت الشريف - أو من هم دون ذلك - الناس لا تتحدث إلا عن الرئيس، ومن حول الرئيس، ومسئولية كل منهم عما آلت إليه الأوضاع، في هذا الليل الطويل، والنفق المظلم، الذي تعيش فيه مصر .. .. الناس في مصر تريد تغييرا يطول الجميع، لكنها تبحث عن قائد يقودها من اليأس إلي الأمل، من العدم الذي تتمرمغ فيه، إلي الحياة، من الفشل إلي النجاح، من الذل إلي الكرامة .. قائد يزأر في الغافلين، أن استيقظوا، فيستيقظون تلبية للنداء .. قائد يصرخ في العابثين، واللاهين بمقدرات هذه الأمة وحقوقها فتشل أيديهم .. .. الناس تريد قائدا منهم، يمتلئ صدره بالإيمان بهم، لا بالنياشين، والجوائز، يمتلئ قلبه بالحب لهذه الأمة ولا يمتلئ جيبه بأموال هذه الأمة ويقول أنصاره ببجاحة، من سرق وشبع أفضل ممن لم يسرق ولم يشبع، وكأننا أمة من اللصوص، أو بقرة يستنزف لبنها كل من يحكمها !! .. كان تعداد مصر 17 مليونا عام 1918 ووجدت مصر ثلاثة رجال يطلبون الحرية لها، قالوها ولم يخشوا الطغيان و الجبروت، قالوها ولم يفكروا في أملاكهم، أو أموالهم، أو زوجاتهم، أو مستقبلهم السياسي !! فهل نعدم اليوم، ونحن 80 مليونا ثلاثة رجال يفعلون ما فعله من هم قبلنا، منذ 82 عاما؟!! .. مصر اليوم أشبه بجيش مستعد، في حاجة إلي حامل البوق لينفخ إيذانا بالابتداء، ليتقدم الصفوف ويطلق صيحة النداء، فتأخذ سبيلها لآذان الملايين من المعدمين والفقراء... انتهي ذلك الزمن الذي كان فيه الناس يسيرون علي غير هدي، فالناس تريد رجلا وبرنامجاً، تريد قائدا مؤمنا بقيمة هذا الشعب وهذه الأمة التي تريد أن تبعث من جديد... الناس تريد قائدا له إرادة، لا رجلا مسلوب الإرادة، يسيره من حوله، تريد رجلا لديه حلول لأوجاعهم ومشاكلهم وأفكارا تتوثب لتنقذ مصر يعيش هو من أجلها أو يموت في سبيل تحقيقها. .. مصر لم تعد تؤمن بنضال الصالونات !! وكل ما تريده هو رجال شجعان يحملون أعناقهم فوق أيديهم، يثبتون في الشدائد، يتقدمون المسيرة رغم الضربات .. ويرون شعاعا من نور يبدد ظلام وظلم الواقع .. اللهم أعز مصر بثلاثة رجال في عام 2010 كما نصرتها بمثلهم في1918.