مجلس النواب القادم هو البرلمان الأخطر فى تاريخ مصر. ليس فقط لأنه يملك من السلطات ما لم يملكه برلمان آخر، وليس لأنه سيكون شريكًا أساسيًّا فى اختيار الحكومة ومحاسبتها، وليس فقط لأنه سيراجع كل التشريعات التى صدرت فى الفترة الانتقالية.. وإنما -قبل ذلك وبعده- لأنه سيضع أسس النظام الجديد من خلال ترجمة الدستور، الذى ارتضاه الشعب إلى قوانين حاكمة لكل سلطات الدولة ومنظمة لحياة المواطنين. انتخابات مجلس النواب لن يتم تأجيلها كما أكد الرئيس السيسى، وهذا أمر طيب مهما كانت المخاوف من الظروف التى تجرى فيها الانتخابات ومن النتائج المتوقعة لها!! ما مررنا به بعد ثورة يناير كان صعبًا فى ظل عدم وجود قيادة حقيقية للثورة، وفى ظل التآمر الخارجى الذى دعم صعود الإخوان وراهن عليه، وفى ظل الأخطاء التى وقعت فى إدارة المرحلة الانتقالية. ومع هذا، فدعونا نذكر هنا أن البرلمان الإخوانى الذى جاء فى ظل هذه الظروف لم يسقط فقط بحكم القضاء، ولكنه كان أحد أسباب سقوط نظام الإخوان بأكمله.. حيث أدرك الشعب من خلال أداء هذا البرلمان (بالإضافة إلى الأداء العام لحكم الإخوان) أننا أمام انقلاب على الثورة وليس تمثيلًا لها، وأننا أمام عملية اختطاف للدولة وتمكين لجماعة تقود مصر إلى ظلام العصور الوسطى برعاية أمريكية، وبتحالف مع باقى عصابات الإرهاب وضع مصر كلها أمام الخيار الصعب بين ضياع مصر مع بناء هذا الحكم الفاشى، أو استعادة الثورة وإنقاذ الوطن.. واختارت مصر كلها فى 30 يونيو الطريق الصحيح. بعد 30 يونيو كان طبيعيًّا أن تتعدَّد وجهات النظر فى اختيار طريق المستقبل، وأن تختلف الاتجاهات. لكن المشكلة أن الأمر لم يتم دائمًا فى إطار الشراكة التى جمعت الكل فى مواجهة الخطر فكان 30 يونيو. وأن البعض لم يضع فى حسبانه أننا فى حرب حقيقية ضد إرهاب الإخوان وحلفائهم، وضد حصار دولى من قوى لا تريد لمصر أن تستقل إرادتها وأن تنهض من أزمتها.. ويبقى الأخطر من كل ذلك وهو عودة فلول الفساد الذى سقط فى ثورة يناير لتحاول تكرار تجربة «الإخوان» واختطاف 30 يونيو وتصويره على أنه إنهاء للثورة وليس استعادة لها!! بعد شهور قليلة سنكون أمام استحقاق انتخاب مجلس النواب. من المؤكد أن المال السياسى سيكون حاضرًا بقوة، وأن قوى الإسلام السياسى سوف تدخل بقدراتها التنظيمية، وأن «الإخوان» لن يكونوا بعيدين عن المشهد حتى لو أعلنوا غير ذلك، وأن قوى نظام ما قبل ثورة يناير سوف تحاول العودة، وأن أحزابنا السياسية بالحالة التى تحدثنا عنها أمس ليست جاهزة وليست مؤهّلة لتكوين برلمان يعبر حقيقة عن روح الثورة، ويستوعب أجيالاً جديدة كانت هى وقود الثورة، وستكون -بلا شك- صانعة المستقبل. ومع ذلك فعلينا جميعًا أن نثق فى قدرة هذا الشعب العظيم على حسم الأمور. وأنه رغم أى تضليل أو قدرات مالية أو تنظيمية لدى قوى الثورة المضادة، فإن الملايين التى خرجت فى 25 يناير لن تقبل العودة إلى ما كان، وأن الشعب الذى استرد ثورته من حكم الإخوان الفاشى لن يفرط فيها مرة أخرى. يقتضى ذلك بالطبع تعزيز الجهود لتصحيح ما وقع من أخطاء من جانب كل شركاء الثورة، واستعادة ثقة كل الأطراف -وفى مقدمتهم الشباب- فى أننا نسير فى الطريق الصحيح. ويقتضى الأمر -قبل ذلك كله- موقفًا سياسيًّا واضحًا من الدولة، وإجماعًا من القوى الوطنية على أننا لم نسقط «الإخوان» لنسلم البلاد للفساد مرة أخرى. وأننا -ونحن نخوض حربنا الأساسية ضد الإرهاب- لن نسمح لأعداء الثورة وناهبى ثروة البلاد بأن يستعيدوا نفوذهم وينشروا فسادهم من جديد. لأسباب عديدة.. قد لا يكون البرلمان القادم هو برلمان الثورة كما نتمناه. ولكن شعب مصر لن يقبل أبدًا أن يكون أمام برلمان للثورة المضادة!!