توافرت رسائل جماعة الخُوان لشبابها ، تطالبهم بالخروج على الحارة وفتواتها ، وأنهم قد أعدوا الجموع لنصرتهم على كبير فتوات الحارة ، وذكروا أن عددهم يفوق عدد أتباع الفتوات ، و يمكنهم أن يحسموا الموقف لصالحهم ، كما ذكروا مخالفات لكبير فتوات الحارة و قائد جندها أغلبها مكذوب عليه ، وضخموها بما يجعل الخروج عليه واجبا شرعيا ، فقرر شباب الجماعة الخروج على قائد الجند استنادا إلى ما وصل إليهم من مخالفات يرتكبها كبير الفتوات ، تجعل الخروج عليه جائزا ، ولغلبة ظنهم بأن قوة الجماعة كفيلة بحسم الموقف كما أخبرهم الخُوان بذلك . رفض كبار الثوار خروج شباب الجماعة ، ونصحوهم بعدم الاستجابة لقادة الجماعة الضآلة المضلة ، الذين خذلوا ثورة الحارة في يناير و خانوا دم الشهداء ، كما أن الثوار لم يصدقوا كل ما يقال عن قائد الجند و جيش الحارة العظيم ، وحاول كل المؤمنين بالثورة منع هؤلاء الشباب فلم يفلحوا ، فقال أحد كبار الثوار للشباب : " إنّي أتصبّر ولا أصبر، وإنّي أتخوّف عليكم في هذا الوجه الهلاك ، إنّ الخُوان قوم غدر ! فلا تغتروا بهم " ، و قال آخر : " اتّقوا الله ولا تضربوا النّاس بعضَهم ببعض "، وقال ثالث : " قد رأيتم ما صنع الخُوان بالثورة والثوار ، وأنتم تريدون أن تسيروا إليهم وهم عبيد الدنيا ، فأُذكِّركم الله في أنفسكم "، بل ونصحهم أحد الشعراء في الطريق قائلا : " شيعتكم من الخُوان قلوبهم معكم وسيوفهم عليكم " .
ومن الملحوظ إجماع كبار المؤمنين بالثورة في توقّعهم لمقتل الشباب ! وفي ذلك أعظم دليل على معرفة أولئك الثوار بالأوضاع، ووعيهم لما سبق من أحداث جرت إبّان ثورة يناير و بعدها ، عرفوا من خلالها الدوافع والأهواء التي تدفع ببعض الأقوام للاستفادة من إثارة الإحن ودوام الفتن .
لم يستمع الشباب إلى ناصحيهم ، وخرجوا في مواجهة غير متكافئة بينهم وبين جُند الحارة ، ويعلم الله أن كبير الفتوات و معاونيه كانوا كارهين لهذه المواجهات ، لأنهم كانوا يعلمون أن هؤلاء الشباب غُرر بهم من قبل الجماعة الجبانة ، التي تركت شبابها يموتون في المواجهات ، و هربت في ملابس المنتقبات و أكفان الموتى ، و لكن تهور شباب الجماعة واندفاعهم لم يترك للجُند خيارا سوى المواجهة ، دفاعا عن الحارة وأمنها و وحدتها .
بعد مقتل الشباب ، ابتدع الخُوان لطم الصدور و شق الجيوب ، و اتهموا ثوار الحارة الحقيقيين بمناصبة الثورة و أهلها العداء ، و اتهموهم بالعمالة لأمن الحارة ، و الخوف من كبير الفتوات ، والتقاعس عن نصرة الشباب في مواجهة الحارة وجندها .
لم يكتف الخُوان بمظلومية مقتل الشباب ، بل طالبوا الفتيات بالخروج لمواجهة فتوات الحارة و أتباعهم ، و أشاعوا انتهاك جند الحارة لأعراضهن ، و أهانوا كبير الفتوات على جدران الحارة ، و اتهموه بالقتل و الخيانة ، وكل ذلك ابتغاء صنع مظلومية جديدة .
إن قراءة تاريخ حارتنا تؤكد أن خروج سيد شباب الحارة على الفتوة كان خطأ سياسيا فادحا بل خطيئة سياسية كبرى، لأن خروجه تسبب في فتنة كبيرة أدت إلى إضعاف الحارة و انقسام أهلها ، ليته استمع إلى نصائح أصحاب جده و أبيه و لم يخرج . و ليت علماء الحارة اعلنوا بصراحة ودون مواربة أن سيد الشباب كان مخطئا في اجتهاده السياسي و أن له أجرا على اجتهاده ، و أن هذا الخطأ السياسي لا ينتقص من دينه وتقواه .
خاف علماء الحارة من بيان خطأ سيد الشباب لأنه حفيد كبيرنا و عظيمنا و مؤسس حارتنا ، فكان خوفهم سببا في انتشار جماعة الخُوان ، التي أضعفت حارتنا و تآمرت عليها على مدار التاريخ . خوف علماء حارتنا أورثنا التردد و الإضطراب و الحيرة ، لأننا عشنا في الحارة لا نعرف أين الحق ؟ و أين الحقيقة ؟ و من الظالم ؟ و من المظلوم ؟ .
اسمعوها مني ، أقولها مدوية ، ولا أخشى في الله لومة لائم ، اسمعوها مني فلن يقولها غيري ، فكلهم جبناء ، اخطأ سيد شباب حارتنا في اجتهاده السياسي ، فحمل و احتمل ما لا يطيق ، وحملنا و حارتنا ما لا نطيق ، و تسبب في دخول حارتنا القوية في دوامة الانقسامات والضعف ، ما أدى إلى سقوطها على أيدي أعدائها بمساعدة أحد المتشيعين له في عصر الحارة العباسية .
لو قُدر لسيد الشباب أن يُبعث بعد مقتله ليشاهد ماذا صنع بنا و بحارتنا رفضه لنصح كبار الثوار من أصحاب جده ، لتمنى أن يعود به الزمان إلى الوراء فيمتنع عن الخروج على فتوات الحارة بالقوة ، و لعاش حياته مجاهدا يقول الحق في وجه فتوة جائر ، ملتزما بالسلمية دون رفع للسلاح ، و لكنه قدرنا نعيش في الحارة لا يقدر علينا عدو من خارجنا ، ولكن يأكل بعضنا بعضا .